هناك أشخاص يدخلون إلى قلبك سريعاً بما يمتلكونه من شخصيات آسرة، متواضعة، وقوية. وربما يكون لكيمياء النفوس دور في قدرة هذه الشخصيات على التفاعل مع بعض الناس سلباً أو إيجاباً.. تقارباً أو تباعداً. والاستاذ الدكتور أحمد كمال زكي - رحمه الله - من الشخصيات المتواضعة والقوية التي احببتها لكثير من الصفات الحميدة، وأول هذه الصفات التواضع الممزوج بالأنفة مع البعد عن النفاق الاجتماعي بكل ألوانه. لقد عرفت ذلك الناقد الكبير في بداية عام 1403ه عندما كنت وكيلاً لعمادة شؤون الطلاب بجامعة الملك سعود، لتحكيم بعض المسابقات الأدبية والثقافية، كما توطدت علاقتي به من خلال لقائنا مراراً عند الاستاذ علوي الصافي رئيس مجلة الفيصل (آنذاك) والتي كان يخصها بمقالاته وتعليقاته ونقده لبعض الكتب الثقافية.. وآلمني كثيراً أن أعرف من خلال الصحافة المصرية بوفاة ذلك الناقد والأديب والشاعر في بداية هذا العام 2008م. وقد لاحظت أن نشاطه النقدي والشعري والفكري قد تضاءل كثيراً في السنوات العشر الماضي، ربما بسبب المرض والسن أو ربما بسبب انعدام المناخ الأدبي المناسب لشخصيته وحضوره النقدي في القاهرة. ولد الناقد والشاعر والأديب أحمد كمال زكي في الاسكندرية عام 1927م، وتخرج في قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة القاهرة عام 1948م حيث تتلمذ على الشيخ أمين الخولي مع نخبة من الادباء والمفكرين من أمثال: د. عبدالحميد يونس، د. شكري عياد، ود. عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) وأسهم في تكوين الجمعية المصرية للنقد الأدبي بالقاهرة مع كل من: صلاح عبدالصبور، فاروق خورشيد، د. عز الدين اسماعيل، ود. حسين نصار وغيرهم.. ويعتبر الدكتور أحمد كمال زكي أحد رواد قصيدة التفعيلة، وله ديوان شعري مهم بعنوان: (أناشيد صغيرة) صدر عام 1963م وكان له نشاط أدبي ونقدي رائع عندما كان في القاهرة. ويعد كتابه (الاساطير) من أفضل الكتب التي انجزها الراحل، بالاضافة إلى كتب مهمة مثل النقد الأدبي الحديث: اصوله واتجاهاته، التفسير الأسطوري للشعر القديم، ابن المعتز، الأصمعي، والجاحظ. وقد نال جائزة الدولة التشجيعية عن كتابه "الاصمعي" عام 1963م، كما طبعت رسالتاه في الماجستير والدكتوراه في كتابين بعنوان: "شعر الهذليين"، و"الحياة الأدبية في البصرة حتى نهاية القرن الثاني الهجري". وعندما كان في الرياض نشر عدداً من المقالات، ومنها مقالات تناول فيها شعر الاستاذ الدكتور منصور الحازمي الذي كان يكن له محبة واحتراماً كبيراً، وله مقال بعنوان "الخطيئة والتكفير للغذامي" نشر في مجلة الفيصل، اكتوبر 1985م. وبالرغم من أن الدكتور احمد كمال زكي اقام عدداً من السنين في قسم اللغة العربية - كلية الآداب - جامعة الملك سعود، إلا أنه لم يقدم دراسات نقدية متكاملة عن الادب السعودي، ويقول احد النقاد (لا أذكر اسمه الآن): "لو أن الناقد الدكتور أحمد كمال زكي انفق جزءاً من وقته لدراسة الأدب السعودي لكان قد ترك لنا شيئاً ذا بال". ومن ديوانه "اناشيد صغيرة" الذي قدمه هدية لي قبل أن يرحل إلى القاهرة، يقول في احدى قصائده: هما البحر - لولا الدفء - عيناك اشهد هما الموج - لولا الصفو - والموج عسجد فكيف هو المقدور.. كيف أرى غدي أيركب ريحاً أم على النجم يقعد؟ وأمضي إلى حيث الذرى تحضن الذرى وعند مدارات المدى.. اتوسد ثم يقول: على انني اخترت الرحيل ولم يزل يلوح لي من فوق فوقي فرقد ومهما يكن قلعي فإني صاعد تودعني كف واخرى تسدد نعم، نودعك بقلوبنا، ونرجو لك الرحمة والغفران، ولأهلك الصبر والسلوان..