علم الفلك الزراعي هو شيء أُختص به المزارعون والفلاحون، حيث يعرف المزارع متى وقت اللقاح وبذر البذور الزراعية، وهو ليس علماً متلقى على أيدي العلماء، بل علم يُعد متوارث يكتسب بالخبرة والممارسة والمجالسة، بل إن الكثير من عوام أهالي القرى والبادية يعرفون متى دخول الفصول والأنجم طوال السنة، لكن الدقائق قد لا يعرفها إلا الخواص من الناس الذين لهم باع طويل وقدم راسخة في هذا الفن ، فمثلاً نحن الآن في المربعانية وهي ثلاثة أنجم الأكليل وقلب والشولة وعددها 39يوماً، فأول نجم فيه الأكليل فالعرب تقول: إذا طلع الأكليل هاجت الفحول وشمرت الذيول وتخوفت السيول.. وتزرع فيه الحلبة وزراعة القمح في شمال المملكة، والزراعة المتأخرة في وسط نجد أما زراعة الحبوب والشعير والبرسيم والبطاطس والعدس والترمس والقرطم ففي النجم الثاني من المربعانية وهو القلب(1) إذاً لا يمكن أن يبذر بذر في غير وقته لأنه لن ينبت بإذن الله فهذه سنن الله عزَّ وجل الكونية التي خلقها وأودعها في هذه الأرض. الخلاوي - رحمه الله تعالى - له القدح المعلى في الحسابات الزراعية ومعرفة النجوم والطوالع واشتهر عند الناس حساب الخلاوي وله أبيات في هذا الشأن ها هو رحمه الله تعالى يقول محدداً وقت حمل النخل في نجد بظهور الكانون وهو النسر الأخير أحد السماكين بعد خروج المربعانية فيقول: إذا ظهر الكانون فابصر بحملها تحت الخوافي كالحراب مويق ثم انه يحدد الزمان الذي يعيش فيه مدة زراعة القمح "العيش" وكيف يسقى. يسقى على ما هان تسعين ليلة وشهر وعشر ما لها فتور من عقب ذا يا من تجافى عياله حجا ولجا في جال كل بكور وينصح المزارعين بالتبكير في زراعة القمح. إلى صرت كداد وراعي طويلة ظهر على نقالة الماغرد بها والغريب أن الخلاوي رحمه الله لم يمتهن الزراعة ولم يزاولها والذي يقرأ شعره عن الزرع وأوقات البذور يعتقد اعتقاداً جازماً أن الخلاوي أفنى حياته كلها في تعاطي الزراعة والفلاحة، ولكن العكس فهو لم يزرع بل تبرأ من أن يكون مزارعاً سامحه الله حيث يقول: اللى صرت زرّاع ولا أن شاء الله ازرع جعلت صيفيَّ الزرع بكور(2) يروي الشيخ عبدالله بن خميس عن مذاق المزارعين ودقة حسابهم ليس بالأيام بل بالساعات في دخول نجم وخروج نجم آخر وهذا الشخص من أهالي الدرعية يدعى ابن حسين وكان معروفاً بعلم الفلك، والقصة كما يذكر الشيخ ابن خميس كالتالي: وهي أن أحد تلاميذ الشيخ المصلح محمد بن عبدالوهاب ت1206ه - رحمه الله تعالى - قال له إن شخصاً يدعى ابن حسين يتعاطى التنجيم أو السحر فاستدعى الشيخ محمد بن عبدالوهاب ابن حسين وسأله عن هذا الأمر فقال ابن حسين نافياً عن نفسه هذه التهمة أنا أتعاطى علم الفلك ولدي خبرة في الحساب الزراعي ولأثبات مقدرتي سوف أدعوك يا شيخ إلى مزرعتي لتناول طعام الإفطار والعشاء، وفعلاً توجه الشيخ إلى المزرعة ومعه جمع من تلاميذه وكان ابن حسين قد فرش لهم عند شجرة تين فقام ابن حسين وضرب الفأس في جزع هذه الشجرة والشيخ ينظر والتلاميذ وقال: ها هي الشجرة قد ضربتها ولم يخرج منها شيء لأن النجم الفلاني لم يدخل بعد، ثم لما زالت الشمس أخذ الفأس وضرب هذه الشجرة مرة ثانية وسال منها ماء وقال: لقد دخل النجم الفلاني وهذا أوان إثمار هذه الشجرة، فعرف الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب صدقه وأنه حاذق في صنعته الفلكية(3) (1) دليل الساري والمزارع لعبدالعزيز العبدالله. (2) ديوان راشد الخلاوي الطبعة السادسة 1423ه. (3) تاريخ اليمامة ج/ 4/وصغت القصة بتصرف.