في الجزء الثاني لبحث د. هدى بنت عبدالغفور امين والذي تضمن الزراعة في احواز جدة وظهيرها الجغرافي في العصور الإسلامية الوسطى، تناولت الباحثة العديد من الملامح الأساسية التاريخية الزراعة في جدة والتي تضمنت طرق الري، الحاصلات الزراعية واهم المنتجات الزراعية مثل التمر والبطيخ والفواكه والخضروات والحبوب، كما استطردت د. هدى في بحثها متناولة نظم الزراعة التي كانت سائدة آنذاك، والمميز ان الباحثة تناولت هذه العوامل بوصف تاريخي معتمدة في سردها على العشرات من المراجع التاريخية الموثقة والمتعلقة بجدة ما يمنح رسالتها بعداً تاريخياً ووثقائقياً مميزاً يضاف الى البحوث المتعلقة بمدينة جدة ذات البعد التاريخي والديني والجغرافي والاجتماعي الهامة بعروس البحر. يذكر ان د. هدى حائزة على دكتوراه في التاريخ الإسلامي الوسيط، وقد قدمت ورقتها المتعلقة بأحواز جدة ضمن البحوث المقدمة في اللقاء العلمي السنوي التاسع لجمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. الوديان الزراعية في جدة من الوديان الزراعية التي كانت تعد احدى مناطق الظهير الزراعي لجدة وادي الضريبة، وهو واد ضخم من اودية الحجاز، ويشكل جزء كبيرا من اودية جدة، فيه مياه كثيرة وقامت عليه زراعة مزدهرة، كما ان من آبار المياه العذبة قرب جدة العد، وهي ثلاث آبار في الساحل جنوب شرق جدة في وادي يدعى العد، يسيل من جبال حي آخر السلسلة المارة جنوببحرة وحداء، وهكذا كان لتوافر مياه الري في أودية جدة أثر كبير في أن يكون لجدة ظهير زراعي تعتمد عليه في إمدادها بكثير من احتياجاتها من الحاصلات الزراعية. ولتقوم بدورها بتصديرها إلى مكةالمكرمة، كما ان هذا الظهير الزراعي تمتع بوفرة الماء العذب والأرض الصالحة للزراعة. ولم تقتصر الاستفادة من مياه الري في الأودية المحيطة بجدة بوجه عام، ووادي مر الظهران بوجه خاص على الظهير الزراعي، بل ان مما يرويه تقي الدين الفاسي ان الماء العذب "كان يحمل الى مكةالمكرمة من بطن مر، ومن ابي عروة وغيره". والجدير بالملاحظة ان هذه العيون والآبار كانت محل رعاية وعناية من الحكام المسلمين، فعندما حج السلطان الظاهر بيبرس عام 667ه-1368م فزود امير مكةالمكرمة والمدينة المنورة بالغلال والأموال. كما أحسن الى صاحب خليص وهو احد اهم المناطق الزراعية لجدة وطلب منه حماية الحجاج ورعاية عيون الماء بها. ومن ذلك ايضا ما يشير اليه كل من النجم عمر بن فهد والمقريزي عن الناصر محمد بن قلاوون سنة 719-1319م عندما حج حجته الثانية "وذكر للسطان بمكة ان العادة كان يحمل مال الى خليص ليجري الماء من عيون بها الى البركة، يردها الحاج، وقد انقطع ذلك مدة سنين، وصار الحاج يجد مشقة من قلة الماء بخليص، فرسم بمبلغ خمسة آلاف درهم لاجراء الماء من العين الى البركة، وجعلها مقررة في كل سنة لصاحب خليص، فأجرى الماء قبل وصول السلطان الى خليص في رجوعه، واستمر حمل المال اليه في كل سنة، ووجد الماء في البركة دائما". وفي عهد السلطان الاشرف شعبان (764-7781364-1377م) تظهر كذلك عناية هذا السلطان بعين خليص، فقد جاء في وثيقة وقفه على الحرمين الشريفين مكةالمكرمة والمدينة المنورة انه قد رصد "مبلغ الف درهم لمشايخ عين خليص منها خمسمائة درهم مقابل خفارتهم الحجاج ذهابا وايابا، والخمسمائة درهم الأخرى لعمارة العين وترميمها والفسقية وترميمها". كما كان اهتمام امراء مكة من الاشراف الحسنيين بعيون وآبار والماء واضحاً جلياً، من ذلك ان الشريف محمد بن بركات الحسني الذي توفي سنة 903-1496م قد عمّر في ارض حسان والمسماة ايضا بالشميسي وسط وادي مر "عمر فيها اصيلة وبركة عظيمة تسمى ام شميلة، وحتى الآن - منتصف القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي - اسمها لم يتغير- وهي كالبحرة وسطها دعائم عليها قبة.." كما ان الشريف نفسه قد عمر لاكبر اولاده، وهو الشريف بركات بن محمد ابن بركات المتوفى سنة 930ه-1530م "اصيلة جليلة بجانب ام شميلة"، سماها النغصة، عمل فيها بركة هي لاعدائه غصة، وذلك في اوائل القرن العاشر، وتعد لبني حسن من المفاخر، وانشد بعض الشعراء لبعض الشعراء فيها جملة أبيات.." ويذكر نفس المصدر ان الشريف جمال الدين محمد بن بركات بن عجلان، قد عمر بركة لطيفة مشهورة يقال لها مغيصة، كما اطلق عليها فيما بعد في منتصف القرن العاشر الميلادي اسم المغربية ثم انه "في الاربعين من القرن العاشر، عمر في الجموم بجانبها بركة صارت نزهة للناظر، في اصيلة تسمى البقيبة". والحقيقة ان قيامهم ببناء هذه البرك وغيرها دليل على هشقهم للخضرة وجمال المنظر، خصوصا وان كثيرا من مناطق الظهير الزراعي لجدة كانت من اماكن اقامتهم المفضلة، ومنهم من كان يقيم فيها اقامة شبه مستديمة، فضلا عن جوها اللطيف ونسيمها العليل. ولم تقتصر العناية بالبرك وعيون آبار الماء على السلاطين وامراء مكة والاشراف، بل يشير الجزيري الى ان امين جدة في العهد العثماني قد شارك في هذا المضمار، حيث يقول: "وقد جددت عين خليص واصلحت في سنة اربعين وتسعمائة، واصلحت البركة التي بها بعد خرابها وتلاشيها، وكان الاصلاح على يد امين جدة، وعمل بجانبها قبة لطيفة في غاية الأنس، تشرف على البركة. ومن المؤكد ان هذه العناية والرعاية قد استمرتا بعد زمن البحث، بدليل ما حدث في العصر الحديث منذ عام 1367ه-1948م في عهد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود من نقل المياه من قرى وادي فاطمة، ووادي خليص، ووادي غليل، ووادي الرغامة، ووادي قوص الى مدينة جدة عبر شبكة من الانابيب بطول 65 كيلاً لتوصيل هذه المياه اليها. طرق الري عرف المشتغلون بالزراعة من اهل جدة في القرى الكثيرة في الوديان المحيطة بها انظمة كثيرة للري، يأتي في مقدمتها نظام الري البعلي، وهو المعتمد اساساً على مياه الامطار. حيث يقوم المزارعون بتجهيز الأرض واعدادها للزراعة، وبذر البذور في الاوقات التي عرفوها لسقوط الامطار التي تسقي تلك المزروعات.كذلك عرفوا نظام الري الدائم الري الدائم الذي اطلقوا عليه اسم "السقيا" عن طريق رفع مياه الري من الآبار والعيون المتوافرة، والاعتماد بشكل كبير على الدواب، فمن الدواب التي استخدمت في ادارة السواقي الثيران في المناطق التي تتوافر فيها هذه الثيران، وقد اطلقوا اسم "السواني" على السواقي، وكان لكثرة الجمال في بلاد الحجاز اثرها الواضح في ان تستخدم بعض هذه الجمال في ادارة السواقي لرفع المياه من الآبارن ليس فقط في المناطق الزراعية، بل وحتى داخل الكثير من المنشآت المعمارية، والدليل على ذلك ما جاء في وثيقة وقف السلطان الاشرف شعبان بن محمد بن قلاوون من تعيين سواق للساقية التي ترفع الماء الى الميضأة التي انشأها بالقرب من باب علي بالحرم المكي الشريف، ومن مهامه الاشراف على جمل الساقية". واذا كانت العين المستخدمة في الري "فوارة" اي ان ماءها شديد الاندفاع فقد كانت لهم طريقتهم في الاستفادة من ماءها حسبما ذكر ابن بطوطة ذلك في حديثه عن عين خليص اذ قال: "وبها عين فوارة قد صنعت لها اخاديد في الارض، وسربت الى الضياع.." اما اذا كان ماء الري يتم الحصول عليه من احدى الآبار بغير طريقة السواقي، فإنه يصف طريقة الاستفادة بماء الآبار والتي كانت شائعة في انحاء كثيرة من شبه الجزيرة العربية فيقول: "وكيفية سقيهم انهم يصنعون دلوا كبيرة، ويجعلون لها حبالاً كثيرة، ويتحزم بكل حبل عبد او خادم، ويجرون الدلو على عود كبير مرتفع عن البئر، ويصبونها في صهريج يسقون منه..". كذلك جاء عند ابن منظور عن اداة ري الأرض من الآبار هذه انها "عبارة عن خشبتين قائمتين على رأس البئر مثبت بها بكرة، يتدلى عليها حبل في طرفه دلو، يتم رفع الماء من البئر بواسطة ذلك الدلو، وقد جعل في مكان صب الماء عدة اخاديد "قنوات" تأخذ ماءها من البئر بالدلو، وتقوم بتوصيله الى الأرض المنزوعة فتروى ما بها من زراعة..".ويذكر لنا ابراهيم رفعت باشا في رحلته للحج عام 1325-1908م ان هذه الطريقة ظلت مستخدمة الى وقت زيارته مع اختلاف طفيف حيث يقول عن محطة عسفان: "وبها بئر عسفان.. وهناك ثلاثة آبار أخرى عذبة الماء.. حديدي علق في آلة ذات ارجل ثلاثة..".وعلى هذا فإن غالبية الأراضي الزراعية في ظهير جدة الزراعي كانت تعتمد في غالبيتها على مياه الآبار والعيون، واستخدمت في الري السواقي التي تدار في غالبيتها على مياه الآبار والعيون، واستخدمت في الري السواقي التي تدار بالجِمال وغالباً ما كان يتم وضع هذه المياه في مكان معد لذلك عرف بالفسقية او البركة. وغالباً ما كان يتم زراعة مثل هذه الأراضي بأكثر من محصول في السنة لوفرة المياه طوال العام من هذه الآبار وتلك العيون".ومما تجدر الاشارة اليه ان توزيع مياه الري من العيون والآبار على الأراضي الزراعية بالقرى الكثيرة في منطقة الظهير الزراعي لجدة، كان يتم وفقا لما عرف باسم "الوجبة" اي الحصة وجمعها "وجاب" اي حصص، وهي التي كان يتم حسابها بالساعات، وكل ساعة بمبلغ محدد يتم دفعه لاصحاب العيون أو الآبار وهم عادة من الاشراف الحسنيين الذين منهم حكام مكة".كما كان يتم تقسيم القرى حسب معدل استهلاكها الاسبوعي من مياه الري الى ثلاثة انواع، النوع الأول: وهو اعلى الانواع استهلاكا لمياه الري بحيث يصل اعلى معدل لاستهلاكها الى 36 وجبة - اي حصة او نصيب- اسبوعيا، واقل معدل لاستهلاكها هو 18 وجبة، مثل قرى الركاني، وقرية المبارك، وقرية حدة، وقرية الريان في وادي مر الظهران. والنوع الثاني والذي يعتبر متوسطاً في الاستهلاك، والذي يصل اعلى معدل لاستهلاكه الى 32 وجبة، واقل معدل له 16 وجبة اسبوعيا، مثل قرية الخضراء، والحميمة، والحادثة، والجموم. اما النوع الثالث وهو اقل جميع الانواع استهلاكاص لمياه الري، والذي يبلغ معدل استهلاكه 28 وجبة، واقل معدل له هو 14 وجبة اسبوعيا، مثل قرية الخفج في وادي المبارك، وقرية ارض حسان وسط وادي مر، وارض خالد والتي تعرف كذلك بقرية الشيخ ومشهورة باسم قرية الشميسي، عن كل ساعة، كان يتم الاستفادة من هذه الوجاب اي الحصص نهارا او ليلا، وفي بعض القرى ليلا ونهارا لكثرة ملاكها وقوة مزارعها. وعلى اساس ذلك التوزيع في مياه الري امكننا عمل حصر بالمبالغ التي كان يتم دفعها لكل قرية من القرى المختلفة حسب معدل الاستهلاك.هذا هو الدليل الوحيد على جودة الاستثمارات الزراعية، بل ولان كثيرا من ابناء البيوتات التجارية الكبيرة في جدةومكةالمكرمة اقبلوا على استثمار اموالهم في الزراعة الى جانب التجارة، وبوجه خاص في شراء الاراضي الزراعية، والنخيل، والآبار والعيون في بعض قرى الوديان، ومنها وادي مر الظهران، بما يفيد ان الزراعة كانت عملا مربحاً واستثماراً جيدا كذلك. الحاصلات الزراعية كان لموقع مدينة جدة في حوض بني مالك - وهو محدود الموارد المائية - اثره في ان يتجه عدد من سكانها الى الاودية الخصبة المحيطة بها، حيث تتوافر الارض الصالحة للزراعة وعيون وآبار المياه العذبة لزراعتها، لانتاج ما تحتاجه مدينة جدة من حبوب وخضروات وفاكهة، وخصوصا في اشهر تلك الوديان مثل: حوض وادي مر الظهران، وحوض وادي خليص الى الشمال من جدة، وغيرهما من الوديان المحيطة بجدة والتابعة لها في الوقت نفسه. ولقد تعددت الحاصلات الزراعية في تلك الاودية تعدادا واضحا، حيث قدمت لنا شهادات بعض المؤرخين الذين تحدثوا عن الظهير الزراعي، والرحالة الذين زاروا ذلك الظهير الزراعي صورا كثيرة عن انتاج هذا الظهير الزراعي من اشجار مثمرة وغير مثمرة، وخضروات، وفواكه، وحبوب مختلفة، ورياحين، وغير ذلك من انواع الحاصلات الزراعية والتي يأتي في مقدمتها شجر النخيل. النخيل: ويعتبر نخيل التمر اهم محاصيل الفاكهة في الحجاز بوجه خاص، اذا حظي ولا يزال يحظى باهتمام ابناء هذه المناطق الزراعية، حيث شكلت زراعة النخيل ابرز الانشطة الرئيسية لمعظم سكان هذه الاودية، كما يعتبر شجل النخيل من اكثر المحصولات انتاجا في بلاد الحجاز بوجه عام، والظهير الزراعي لجدة بوجه خاص، وذلك لتمتع بلاد الحجاز بالمناخ الصحراوي.. هذا الى جانب العناية الخاصة التي كان يوليها المزارعون من اجل زيادة انتاج هذا المحصول. فضلاً عن كبر المساحة التي كانت تتم زراعتها بهذا المحصول، ومن المؤكد ان المزارعين في المنطقة الزراعية التابعة لجدة قد ساروا في زراعتهم لاشجار النخيل على ما توارثوه عبر الجيال، فاستخدموا طريقة التكاثر بالبذور، وقد نتج عن هذه الطريقة اصناف كثيرة مختلفة اعطيت اسماء محلية معروفة، كما انهم عرفوا طريقة فصل الفسائل من النبات الام وزراعتها، وبهذه الطريقة يتم الحصول على نباتات مطابقة تماماً للنبات الام والحصول على الاصناف المرغوبة.كما ان زراعة النخيل كانت استثمارا جيدا حيث وصل سعر المن من التمر تسعة دراهم مسعودية، وربما بيع بأكثر من ذلك في الاوقات العادية على العكس من ذلك في اوقات الازمات الاقتصادية، كما ان نوى التمر كان يباع لعلف الجمال كل ويبة مصرية بأفرنتي وربع. ويشير ابن بطوطة الى ذلك وان التمور في جدة كانت من المؤن الضرورية التي يتزود بها المسافرون منها بحراً الى عيذاب وقوص في مصر، وانها كانت عدة انواع منها التمر الصيحاني والتمر المكتوم والبرني، وانهم كانوا يحملونها برسم الهدية لاصحابهم. البطيخ: وعن زراعة البطيخ يحدثنا مؤرخ مكة تقي الدين الفاسي المتوفى سنة 32ه / 1428ه بانها كانت من الزراعات التي اقبل عليها كثير من اهل الاودية المحيطة بجدة، نظرا لما تدره من عائد مادي كبير، وخصوصا في اوقات الغلاء، حيث ذكر انه في عام 816ه / 1413ه "بيعت البطيخة الكبيرة بأفرنتي وازيد.. وهذا شيء لم يسمع به.. وكان يزرع البطيخ في مساحات كبيرة سواء في المنطقة الساحلية الملاصقة لمدينة جدة على مياه الأمطار التي تسقط عليها، وكثرت زراعته في كثير من الاودية التابعة لجدة، مثل وادي خليص، ووادي فاطمة او مر الظهران، وهذا البطيخ انواعه كثيرة منها "البطيخ الاخضر المسمى الحبحب، والبطيخ الاصفر المسمى بالخربز" وقد كان من الفاكهة التي لها وزنها الاقتصادي في البلاد، ومما اضفى عليه قيمة اقتصادية كبيرة حلاوة طعمه مقارنة بما كان يزرع منه في بعض البلدان العربية الاخرى، وفي ذلك يقول الرحالة ابن جبير المتوفى سنة 614ه /1217م: "ومن اعجب ما اخبرناه من فواكهها - يقصد مكةالمكرمة - البطيخ والسفرجل، وكل فواكهها عجب، لكن للبطيخ فيها خاصة من الفضل عجيبة، وذلك لان رائحته من اعطر الروائح واطيبها، يدخل به الداخل عليك فتجد رائحته العبقة قد سبقت اليك، فيكاد يشغلك الاستمتاع بطيب رياه عن اكلك اياه، حتى اذا ذقته خيل اليك انه شيب بسكر مذاب او بجنى النحل اللباب، ولعل متصفح هذه الاحرف يظن ان في الوصف بعض غلو، كلا لعمر الله! انه لاكثر مما وصفت وفوق ما قلت..".وقال عنه الرحالة المغربي ابن بطوطة المتوفى سنة 779ه/ 1377م: "ولقد اكلت بها - يقصد مكة - من الفواكه العنب والتين والخوخ والرطب ما لا نظير له في الدنيا، وكذلك البطيخ المجلوب اليها لا يماثله سواه طيبا وحلاوة، وتجلب لها الفواكه والخضر من الطائف ووادي نخلة وبطن مر لطفاً من الله بسكان حرمه الامين ومجاوري بيته العتيق" وفي موضع آخر يؤكد ان كثيرا من الفواكه والخضروات كانت تجلب الى مكة المنكرمة من وادي مر الظهران او وادي فاطمة حيث يقول: "ومن هذا الوادي تجلب الفواكه والخضر الى مكة، شرفها الله تعالى". الفواكه: واضح ان الفواكه بكثير من انواعها كانت تزرع في اودية جدة وفي وادي فاطمة بوجه خاص، بمقادير كبيرة، بحيث تفي بحاجات اهل جدة، وثتم ارسال مقادير كبيرة منها الى مكةالمكرمة وخاصة في مواسم الحج والعمرة، فقد سبق ان اشرنا الى الفاكهة التي ذكرها ابن بطوبة مثل العنب والتين والخوخ والرطب، ويؤكد ذلك الرحالة ابن جبير بقوله: "واما الارزاق والفواكه وسائر الطيبات فكنا نظن ان الاندلس اختصت من ذلك بحظ اعظم على سائر حظوظ البلاد حتى حللنا بهذه البلاد المباركة فألفيناها تغص بالنعم والفواكه: كالتين، والعنب، والرمان، والسفرجل، والخوج ، والأترج، والجوز، والمقل، والطبخ. الخضروات: يذكر ابن المجاور في حديثه عن الحاصلات الزراعية التي ينتجها الظهير الزراعي لجدة بانها :"جميع الخضر، والخيار والقثاء والباذنجان والكراث.. والفجل وما أشبه ذلك..". ويضيف الى هذه الانواع ابن جبير انواعا اخرى وهي "القثاء، والخيار، الى جميع البقول كلها: كالباذنجان، واليقطين، والسلجم، أي اللفت، والجزر، والكرنب، الى سائرها.. واكثر هذه البقول كالباذنجان والقثاء.. لا يكاد ينقطع مع طول العام، وذلك من عجيب ما شاهدناه مما يطول تعداده وذكره. ولكل نوع من هذه الانواع فضيلة موجودة في حاسة الذوق يفضل بها نوعها الموجودة به في سائر البلاد، فالعجب من ذلك يطول"..ويذكر جارالله بن فهد ان في هذه الاودية "تزرع جميع انواع الخضرة لادم سكانها مفرقا في بعضها، وهي القثاء والخيار.. والباذنجان واليقطين المسمى بالدباء، والقلقاس والبامية، والجزر، واللف، والفجل، والملوخة، والكراث، والثوم، والكزبرة، والليم والليمون.." وهذه الاصناف نفسها تقريبا قد ذكرها الانصاري رحمه الله تعالى. بينما شير الرحالة الالماني ادوار روبل الذي زار جدة مرتين، الاولى عام 1242ه/ 1826م، والثانية عام 1247ه/ 1831م الى ان اسواق مدينة جدة خلال شهري مايو واكتوبر من كل عام عادة ما تكون مكتظة بكل انواع الخضروات التي تأتي من المزارع القريبة منها، بما يؤكد ان الظهير الزراعي لجدة كان يمونها بكل انواع الخضروات حتى القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي. الحبوب: هناك في المصادر المعاصرة بعض اشارات الى الحبوب التي كانت تزرع في المنطقة الزراعية لجدة في الوديان المختلفة، فقد ذكر الحميري المتوفى سنة 727ه/ 1326م ان "البقول بها - يقصد جدة ممكنة" كما ذكر جارالله بن فهد المتوفى سنة 954ه/ 1548م في حديثه عن اودية جدة بوجه عام، ووادي مر الظهران بوجه خاص انه كان "يزرع به جميع الحب على انواعه كالحنطة اي القمح، والشعير والذرة.." وغيرها من انواع الحبوب الاخرى، ومن الحبوب التي تمت زراعتها في المنطقة الزراعية لجدة يأتي الشعير، ويعتبر من الحاصلات المهمة التي يحتاجها المزارعون انفسهم والبدو والحضر، حيث يتم تحويله الى دقيق يستخدم في صنع الخبز، الى جانب استدامه كعلف للحيوانات المختلفة، والحقيقة انه فيما يخص بالحاصلات الزراعية بوجه، لم نعثر في المصادر التي بين ايدينا عن مقدار ما يحتاجه الفدان الواحد من محصول، وهي معلومة مهمة بلاشك، وان كنا نرجح حدوث تفاوت في انتاج الاراضي الزراعية نتيجة لتفاوت مقدار ما يصل اليها من مياه الري، الى جانب تفاوت درجة خصوبتها. ويأتي القمح ضمن قائمة الحبوب التي كانت تزرع في منطقة الوديان، وواضح ان القمح الحجازي كان انواعا كثيرة منها "الحنطة اللقمية" التي تشبه حبات اللؤلؤ، لكن من الواضح انه كان يزرع بكميات قليلة لكثرة ما يحتاجه من مياه الري، واعتدت جدة بشكل اساس على ما يرد اليها منه سواء من الطائف او من مصر. وان كانت هناك بعض اشارات الى اعتماد كثير من القبائل البدوية في خبزهم على الحنطة او القمح وخصوصا في منطقة الظهير الزراعي لجدة، امثال قبيلة زبيد، والحوازم، والاحامدة، وبني عمر، وقبيلة السعادين، وبني عوف، والصواعد، والبلادية، وقبيلة عتيبة، وهذه القبائل كانت حتى القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي تسمى "بنو حرب" وخبزهم من الحنطة فقط واحيانا يخلطونها ببعض الحبوب الاخرى، والمعروف ان القمح من المحاصيل الشتوية وعادة ما يزرع في شهر اكتوبر ويتم حصاده في يناير.ومن الحبوب كذلك الذرة البيضاء او الذرة الرفيعة، ويعتبر هذا النوع من الحبوب احد الاغذية الرئيسة لا لشعب جدة والحجاز فحسب، بل لبعض شعوب اسيا نظرا لنجاح زراعته في الظروف البيئية الخاصة بتلك الشعوب، كما كانت تستخدم كاعلاف لتغذية احليوان وخاصة الاغنام والابل، والذرة تعتبر نباتاً حولياً عادة ما يتم حصاده بعد 50 يوماً من زراعته. كما عرف مزارعو جدة نوعاً آخر من الذرة كبير الحب اطلق عليه اسم الجرجور، ولكن زراعته قليلة، واعتمدوا على ما يتم جلبه من هذا النوع من سواكن، لسد الاستهلاك المحلي منه.وتعتبر المنطقة الزراعية لجدة من اقدم المناطق التي عرفت زراعة الفول، الا انه كان يزرع على نطاق شبه ضيق، حيث يستهلك بعضه كبذور وبعضه الآخر كقرون طازجة كما يستخدم كنوع من العلف للحيوانات.ويعتبر السمسم ضمن الحبوب التي عرفها اهل الظهير الزراعي لجدة، وذلك لحاجتهم واهل الحاجز عامة للحصول على زيت الشيرج، ولكن يبدو ان المساحة المنزرعة منه كانت قليلة، ولذا اصبح زيته مرتفع السمن. ويرجع السبب في صغر المساحة المنزرعة بالسمسم الى ما يحتاجه من مجهود كبير في زراعته، الى جانب ارتفاع تكاليف تلك الزراعة. الأشجار: عرف الظهير الزراعي لجدة كثيراً من انواع الاشجار غير اشجار الثمار والتي لها فوائد كثيرة في حياة البشر جميعاً، ومن هذه الاشجار شجرة الاراك، وهي من الاشجار المعمرة المستديمة الخضرة، والتي تنمو بصورة بطيعة في مناطق الوديان التابعة لجدة، وتكتسب شجرة الاراك اهميتها من ان السواك الذي يتم الحصول عليه منها له فوائد طبية وصحية، حيث يستخدم في تنظيف الاسنان وتطييب رائحة الفمز وهذه الاشجار كانت تنمو بكثرة في المنطقة الزراعية لجدة، ويستفيد من زراعتها كثير من اهل جدة "لان اهلها يكثرون السواك بعيدان الاراك الاخضر" كما يقبل على استخدامها كثير من اهل الحجاز وضيوف الرحمن من زوار وحجاج بيت الله الحرام. هذا الى جانب ان هذه الاشجار نبات رعوي مهم ترعاه الجمال والماعز والاغنام، كما تعتبر شجرة الاراك مصدر غذاء وملجأ لكثير من الطيور والحيوانات البرية. وهي من الاشجار التي لا تحتاج الى كميات كبيرة من مياه الري، ويكفي ريّها مرتين في الشهر الواحد.ومن منطقة الوديان هذه كانت تنمو اشجار الزنجبيل، وهو من اشهر التوابل المعروفة في العصور الوسطى، واستعماله كان شائعا كاستعمال الفلفل تقريبا.ومن المرجع انه كان يمون في المناطق الجبلية من هذه الوديان، حيث عرف باسم "الجبلي" هذا النوع من الزنجبيل كان يتم تصديره الى الاسكندرية في مصر ومنها الى الغرب الاوروبي، ويلقى قبولا الى جانب ارتفاع اسعاره، وكان يباع على شكلين اما اخضر، واما محفوظا بمعالجته بالسكر، والذي كان يستخدم في تحضير بعض المستحضرات الطبية عرفها العرب باسم "زنجبيلية" كما كان يستخدم في الطهي كنوع من التابل مع اللحم والسمك، ويدخل ايضا في تحضير الانبذة المتبلة في الغرب الاوربي. ويعتبر شجر البلسان من النباتات الطبية المشهورة في بلاد الحجاز منذ القدم، فقد ذكره الجزيري المتوفى نحو سنة 977ه/ 1571م في حديثه عن وادي عسفان حيث قال: "وبه شجر البلسان البري.. ويوجد كثيرا في رؤوس الجبال، وفي اماكن منه" وترجع اهميته الى استخراج الزيوت الطبيعية منه، ويتم استخدامه كعلاج، وقد كانت الحجاز ومصر من البلاد التي تحتكر زراعته، وفي مصر كان يزرع في منطقتي عين شمس والمطرية. كما كانت تزرع اشجار الحناء وهي التي عرفت باسم الفاغية ايضا في كثير من القرى الموجودة في وادي فاطمة، وهدة الشام، ويتم ارسالها الى جدةومكة، حيث يقبل الحجاج وزوار بيت الله الحرام عليها اقبالا كبيرا، كذكرى من الاراضي المقدسة، وعادة ما يستخدمها اهل الحجاز من النساء في الزينة قبل الافراح وفي بعض المناسبات الاخرى. نظم الزراعة: وهنا ينبغي ان نشير الى ان منطقة الظهير الزراعي لجدة قد عرفت كغيرها من بلدان الشرق العربي القريبة منها نظم الزراعة المختلفة. ومنها نظام الاجازة او التأجير، وخير دليل على ذلك ما يرويه مؤرخ مكة في القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي وهو جار الله بن فهد من قول في حديثه عن قرية الجميزة احدى قرى هدة بن جابر: "وكان لاجداد والدي من جهة امه بني العجمي املاك بها، واوقاف على فقرائها، وصار بعضها لوالدي فآجر غالبها قبل وجودي، وبعضها باق الى الآن، وقد وضع يده عليها من استأجرها، فالله تعالى يحق الحق، ويمن بعودها" ومعنى هذا ان قيمة الايجار ربما اختلفت من ارض لارض تبعاً لنوع الارض، ومقدار خصوبتهان ومقدار ما يتم رفعه في مياه الري، ونوع المحاصيل التي تزرع بها، فضلا عن الاحوال الطارئة من رخاء او غلاء، او فتن، ثم قسوة مالكها او عدله. مصطلحات زراعة الارض المقاسمة والمزارعة والمساقاة، وكلها اصطلاحات لزراعة الارض على شطر بها يخرج منها من المحصول، والمقاسمة تكون تارة مناصفة وتارة اخرى مثالثة، وغيرها مرابعة او مخامسة او مسادسة او مسابعة او مثامنة. وتختلف قيمة الايجار تبعاً لنوع الارض وريها ونوع المحصول ويدخل ضمن الايجار ما يعرف باسم "الاراضي المضمنة" أو "المفضولة عن اربابها بشيء معلوم من المال ويؤخذ منهم عند ادراك المغل". اي الغلال، وقد ذكر ابن المجاور حالة مشابهة في حديثه عن قرية حدة القريبة من جدة عندما قال:"وكان بها عين ناء يستعملونها في ادراك الغلال فاشتراها منهم الشريف الحسين بن ثابت الشديدي وغرس في جميع البلاد نخلا مقدار عشرين الف نخلة والقوم ملاكها الى سنة اثنتين وعشرين وستمائة.. ويقال انما عرفت حدة بهذا الاسم لانها اخر حدود وادي نخلة" وجاء بعده جارالله بن فهد في منتصف القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي ليذكر عن نفس القرية "وكانت ارضاً مزروعة لبني البدرية، فباعوها واشتراها منهم الشريف سليمان بن علي بن عبدالله بن موسى الحسني، وساتخرج العين، وقيل كانت العين على حالها، فبقيت في ايدي القوم مدة يتقبلون بها في ادراك الغلال، فاشتراها منهم اشريف الحسين بن ثابت الشديدي وغرس فيها جميع الارض نخلا عشرين الف نخلة، والقوم ملاكها الى سنة اثنتين وستمائة..".كما انه من غير المستبعد ان تكون نظم الزراعة والمساقاة والمخابزة قد كانت معروفة وتم العمل بها، وهي ألفاظ مرادة واصطلاحات لزراعة الارض على شطر مما يخرج منها من المحصول، والمزارعة تكون اذا كان البذر من صاحب الارض، اما المساقاة فهي عقد يتضمن معاملة الشخص غيره على شجر او عنب او نخل ليتعهده بالسقي والتربية نظير قدر معين من الثمر، اما المخابرة يكون البذر فيها من العامل الزراعي او الفلاح.وعن ملكية الارض الزراعية التابعة لجدة فقد وردت في بعض المصادر المعاصرة وخاصة المصادر الحجازية منها، ان الملكية كانت ملكية مطلقة، اي ملكة رقبة ومنفعة، بين ملاك هذه الاراضي، وكان للمالك حق التصرف المطلق في ارضه سواء بالبيع، او الرهن، او الهبة، او الوقف. ومما يؤكد تعدد اغراض وقف هذه الارضي ما جاء من حديث عن قرية الحميمة ببطن وادي مر من انها كانت وقفاً "لصاحب مكة كان، السيد محمد بن بركات بن حسن بن عجلان، تغمده الله بالرحمة والرضوان، فبعضها على سرارته وهو على ابن له، ومن بعدهم على ذريته، وجميعها مزارع حب واشجار فاغية - اي حناء - التي هي سيدة رياحين الجنة..".كذلك كانت هناك اشارة وحيدة عن ان الملكية كانت تأتي عن طريق المصادرة، اذ يذكر ان المجاور في حديثه عن سنة 622ه/ 1225م قوله: "وفي هذه التاريخ ملك الامير طبغا الملك الكامل ولاية الحجاز، وملك نخل الاشراف مستهلكا لها واخذ هذا النخل في جملة ما اخذه، والنخل رجع الآن سلطاني..".كما جاءت اشارة صريحة الى ان المنلكية كانت تنتقل من مالك لآخر عن طريق الوراثة، ففي الحديث عن قرية التنضب بوادي مر والتي تغير اسمها الى الجديدة، بانها كانت "لورثة محمد بن علي بن ابي طالب الشهيبر بابي الحنفية" اي للاشراف الطالبيين. كذلك لدينا اشارة عن ان الوقف لم يكن قاصرا على وقف الارض الزراعية بل شمل كل ما يتعلق بالزراعة، وخاصة حصص مياه الري "الوجاب"، من ذلك ما جاء في الحديث عن سنة 809ه/ 1406م من قول:" وفيها - في رمضان - أوقف السيد حسن شريف مكة عدة وجاب بالهنية والعقيق والفتيح والريان، بعضها علي رباطه، وبعضها على رباط الموفق، وبعضها على رباط العز ورباط العباس، وبعضها على الاشراف من اقاربه.." او بعبارة اخرى انه اوقف الاموال التي يتم تحصيلها من الآبار والعيون التي يمتلكها، اي ريعها على المنشآت المذكورة، وبعض المنشآت المذكورة، وبعضها على الاشخاص المذكورين وهم الاشراف من اقاربه."كل مأكول او مشروب او نّي او مطبوخ ومن جميع ما يقتات به الحنطة اي القمح والارز والعدس والشعير والدقيق والحمص وغير ذلك سواء كان مكيلاً او موزوناً او معدوداً" كما جاء فيها النص على "ألا يتناول شيئا من المكوس - اي الضرائب - على المزروعات من الفواكه والثمار والاعناب والبطيخ والخضروات"، وهذا عاد بدوره على المزارعين في اودية جدة بالخير، لانهم كانوا يتحملون عبء هذه المكوس، كما جاء فيها: "ألا يتناول شيئا من المكوس على الاعسال والادهان والآدام، وآلا يتناول شيئا من المكوس على الحيوانات من اغلابل والبقر والغنم" وجاء النص ايضا بانه لا "يتناول شيئا من عشر النخل الذي في ولايته" وحرصاً من السلطان بأن يتحايل هذا الامير ويجمع ذلك ببعض اعوانه فقد نصت الوثيقة نفسها على: "ألا يتناول شيئا من هذه المكوس، الا بدالة ولا وكالة، ولا عرافة ولا رياسة ولا يمنكن احدا من ذريته ولا من نوابه ولا مباشريه ولا عبيده ولا خدمه من التعرض لاخذ شيء من ذلك".وهكذا نكون قد استفدنا من كتب المؤرخين والحجازيين وغيرهم، وكتب الرحالة الذين زاروا بلاد الحجاز للخروج بنتيجة مؤكدة وهي ان الظهير الزراعي لمدينة جدة في العصور الوسطى شهد قيام زراعة مزدهرة، وتوافرت لديه كل مقومات الزراعة من ارض صالحة، ومياه عذبة للري، وايد عاملة، ومناخ مناسب، حيث انتج كثيرا من الحاصلات الزراعية والتي استعرضنا بعضها، فضلا عن بيان ملكية الاراضي الزراعية وانها كانت ملكية مطلقة، وان هذا الانتاج الزراعي كان من الغزارة بمكان.