في صباح أول أيام عيد الفطر المبارك، تشرق شوارع الرياض بفرحة وبهجة لا مثيل لها، حيث ينتظر الأطفال هذه اللحظة التي تجمع بينهم وبين عائلاتهم في لحظات لا تُنسى. ملابس جديدة، حلي جميلة، ونقوش الحناء التي تزين أيدي الأطفال، كلها تساهم في خلق أجواء احتفالية تنبض بالفرح. لكن الأبرز في تلك اللحظات هي «الحوامة»، الطقس الشعبي الذي يضيف بُعدًا خاصًا للاحتفال بالعيد في أحياء الرياض، ويعد جزءًا من الموروث الاجتماعي الذي لا زال حاضراً بقوة. الحوامة ليست مجرد جولة للأطفال لجمع العيديات من جيرانهم وأفراد الحي، بل هي حدث اجتماعي مفعم بالأغاني والأهازيج التي يرددها الأطفال وهم يطرقون أبواب المنازل، ينشدون: «عطوني عيدي عادت عليكم في حال زينة، وجعل الفقر ما يجيكم ولا يدخل عليكم». هذه الأهازيج التي تمثل جزءًا من الذاكرة الشعبية للأجيال، تساهم في نشر أجواء من الفرح والسرور، وتغرس مشاعر الانتماء للمجتمع بين الأفراد. تكتسب الحوامة مع مرور السنين المزيد من الزخم، فلا تقتصر على كونها عادة تقليدية، بل أصبحت تواكب التطورات الحضرية في الرياض. ففي إطار جهود أمانة منطقة الرياض، يتم تنظيم الفعالية بحيث تُغلق بعض الحواري والشوارع أمام حركة السيارات، لضمان سلامة الأطفال أثناء تنقلهم في الحي، ما يتيح لهم الاستمتاع بهذا الطقس المميز في أجواء من الأمان والراحة. ورغم مرور الزمن وتغيرات العصر، حافظت الحوامة على أصالتها وجاذبيتها، حيث أصبحت تمثل مزيجًا رائعًا بين الماضي والحاضر. الأجيال الجديدة أضافت لمساتها الخاصة على هذه العادة، لكنها لم تفرط في جوهرها. الحوامة اليوم ليست مجرد طقس لجمع العيديات، بل هي مناسبة اجتماعية تهدف إلى تعزيز الروابط بين الأفراد وتُجسد القيم الإنسانية العميقة مثل الكرم والمشاركة، وتعلم الأطفال معنى الجيرة الحسنة والتواصل مع المجتمع. يعد هذا التقليد الشعبي، الذي يتجدد في كل عيد، فرصة للتربية الاجتماعية، حيث يغرس في الأطفال أهمية العطاء وليس فقط الأخذ، كما يُعلمهم أن السعادة الحقيقية تكمن في المشاركة والاهتمام بالآخرين. تُعتبر الحوامة أيضًا وسيلة لتعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية بين الجيران، لتظل هذه الفعالية مصدرًا للحب والتواصل والتضامن.