دقائق معدودة كانت بين منزلي ومقر «فعالية بين ثقافتين «في البوليفارد، أردت مصافحة المكان الذي يبدو ككوكب منير عن بعد، فكان الوصول إليه رغم الأشغال في المنطقة سهلا جدا وميسرا ومساحات صف السيارات متوفرة وميسرة كما دخولي التطبيق لأول مرة لشراء التذكرة، فأنا لست من الجيل الجديد العاشق للتقنية، وأعتقد أني بحاجة لدورات لتعلم استخدام التطبيقات المختلفة في الهاتف المحمول لتسهل عليّ الحياة والانخراط مع العالم الرقمي الإلكتروني الذي يجعل من الإنسان سكرتير نفسه بخطوات بسيطة ونقرات معدودة على هاتفه. حين تعديت البوابة الإلكترونية أرشدتني الشابات والشباب في المدخل إلى شارع المتنبي حيث تقام فعالية بين ثقافتين التي تجمع السعودية والعراق حيث تحتفي وزارة الثقافة بالموروث للبلدين الشقيقين في عدد من الجوانب الثقافية ومنها الاكلات الشعبية والموسيقى والفن التشكيلي ثم ندوات شعرية تضم كلا البلدين. في الجادة وضع نصب لتمثال كبير لشاعر العرب المتنبي تحت سماء تظللها غيوم أوائل الشتاء في العاصمة الرياض، موسم الفرح وسعادة سكان الرياض الذين ينعمون بأجواء شتوية بديعة فيها لسعات برد خفيفة لا تحتاج أكثر من شال بسيط بينما يلبس آخرون (الفروة) في محاولة لاستجداء الأجواء الشتائية لتحل سريعا مصطحبة معها شبة النار واجتماع الأحبة حول وهجها ودفئها في ليالي السمر. الموسيقى العراقية كانت تتسلل من نوافذ المقهى التراثي الذي شيد في ساحة البوليفارد، وعازف القانون مع الفرقة الموسيقية كانوا بدأوا وصلتهم الموسيقية الساحرة التي يحضر إلى ذهن المستمع إليها مشهد دجلة والفرات والمقاهي الشعبية العراقية والمطربين العراقيين الذين أسهموا في بناء ذائقتنا الموسيقية منذ زمن. علقت القصائد على جانبي الجادة، وجلس معلم الخط العربي العراقي المعروف زكي الهاشمي يخط للزائرين أسماءهم وعبارات انتقوها، المثقفون العراقيون قالوا إنهم انبهروا بما عرضته وزارة الثقافة السعودية عن ثقافتهم في المكان، والمشتغل بالترجمة الأستاذ أحمد الشنبري قال لما زرت المكان تذكرت درب زبيدة، وهو أهم الدروب التاريخية كونه من أهم طرق الحج السبعة الذي ربط ما بين بغداد والحرمين. الشعراء الأربعة عارف الساعدي وعدنان الصايغ من العراق وجاسم الصحيح ومحمد التركي من المملكة تدير أمسيتهم الشاعرة منى البدراني حطوا بنا على أغصان قلوبهم وحناجرهم في أمسية ساحرة على أنغام العود تتسابق الكلمة واللحن وبحضور جمع غفير من عشاق القصيدة الذين حضروا على رأسهم سفيرة الجمهورية العراقية السيدة صفية السهيل التي أقبلت أصافحها وكأني أصافح نخلات العراق السامقة. الاكلات الشعبية ثقافة لم تغفلها وزارة الثقافة التي خصصت مساحة لتقديم الاكلات الشعبية للمملكة والعراق حيث الدولما والمسقوف العراقي والشاي العراقي الذي كان ضيافة الحضور في الأمسيات الشعرية وهو قصة أخرى. كما كتبت وزارة الثقافة على موقعها في منصة X بأن «مهرجان بين ثقافتين هو نافذة تطل على تراث مشترك وإرث ممتد بالعراقة» وهذه هي الثقافة.. القوى المؤثرة التي استطاعت أن تجمع فنونا وإبداعات مختلفة أقبل عليها ليس المثقف فحسب بل جمهور عريض جاء يتهجى هذا السحر الثقافي المتنوع لكلا الدولتين. سلام على محمد الجواهري شاعر العراق حين مرّ على كل شبر في العراق وتغنّى: سلام على هضبات العراق وشطيه والجرف والمنحنى سلام على باسقات النخيل وشمّ الجبال تشيع السنا سلام على نيرات العصور ودار السلام مدار الدنا ميسون أبو بكر