وصلت إلى دمشق "الثلاثاء" عدة بعثات دبلوماسية للقاء السلطات الجديدة التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام، الإسلامية التي تسعى بدورها إلى طمأنة العواصم الأجنبية بشأن قدرتها على تهدئة الأوضاع في سورية بعد نزاع مدمر استمرّ أكثر من 13 عاما. وتعهّد قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع بحلّ الفصائل التي ساهمت في إسقاط بشار الأسد ودمجها في الجيش، كما دعا إلى رفع العقوبات الدولية عن البلاد. في 27 نوفمبر بدأت هيئة تحرير الشام وفصائل حليفة لها، هجوما واسعا انطلاقا من شمال سورية، مكّنها من دخول دمشق وإعلان إسقاط الأسد الذي فرّ من البلاد. وفي بيان باسم تحالف الفصائل، قال الشرع الاثنين، إنّه "يجب أن تحضر لدينا عقلية الدولة لا عقلية المعارضة.. سيتمّ حلّ الفصائل وتهيئة المقاتلين للانضواء تحت وزارة الدفاع وسيخضع الجميع للقانون". وبعد نصف قرن من حكم عائلة الأسد، تسعى السلطات الجديدة إلى طمأنة المجتمع الدولي، في وقت تجري العواصم الأجنبية اتصالات مع قادتها، بما في ذلك أحمد الشرع. والثلاثاء، وصلت إلى دمشق بعثة دبلوماسية فرنسية لأول مرة منذ 12 عاما، كما رُفع العلم الفرنسي فوق السفارة التي أُقفلت طيلة الفترة نفسها. وقال المبعوث الفرنسي الخاص جان فرنسوا غييوم إن "فرنسا تستعدّ لتكون إلى جانب السوريين" خلال المرحلة الانتقالية. وبعدما أعلن الاتحاد الأوروبي إرسال ممثل عنه، قالت مسؤولة السياسة الخارجية كايا كالاس إنّ الاتحاد "مستعدّ" لإعادة فتح سفارته في دمشق. ويلتقي دبلوماسيون ألمان ممثلين عن الحكومة السورية المؤقتة، بينما أعربت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني عن استعدادها للتحاور مع السلطة الجديدة في دمشق. ودعت إلى توخّي "أقصى درجات الحذر" في التعامل مع هيئة تحرير الشام. وكانت الولاياتالمتحدة أفادت عن إقامة "اتصال مباشر" مع الهيئة. كما وصل وفد بريطاني الاثنين إلى دمشق. بعد هروبه إلى موسكو في الثامن من ديسمبر، قال الأسد الاثنين: إنّه غادر البلاد بعد سقوط دمشق، ووصف القادة الجدد بأنهم "إرهابيون". واستُقبل سقوطه بمشاهد الاحتفالات والفرح في مختلف أنحاء سورية وبين السوريين في الخارج، بعد أكثر من 13 عاما على اندلاع نزاع دامٍ في البلاد في أعقاب القمع الوحشي الذي مارسه ضد الاحتجاجات التي بدات في العام 2011. وخلّف هذا النزاع نصف مليون قتيل، كما تسبّب في مغادرة حوالى ستة ملايين سوري إلى الخارج، وفق التقديرات. وقالت الأممالمتحدة إنّها تتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في النصف الأول من العام 2025. مع ذلك، يمثّل توحيد البلاد التي مزّقتها سنوات من الحرب تحديا كبيرا، في ظل وجود العديد من الفصائل ذات الولاءات المختلفة وأقليات دينية وعرقية. ويأتي ذلك فيما لا تزال هيئة تحرير الشام مصنّفة منظمة إرهابية من قبل العديد من العواصم الغربية، بما في ذلك واشنطن. أمل حذر في أسواق دمشق القديمة، أعاد معظم التجار فتح محالهم. واستكمل أصحاب محال سوق الحميدية صباح الثلاثاء طلاء واجهات محلاتهم باللون الأبيض بدلا من ألوان العلم السوري ذي النجمتين الخضراوين الذي كان معتمدا خلال فترة الحكم السابق. وقال عمر بشور (61 عاما) وهو عامل بناء "نعمل منذ أسبوع بدون توقف على طلاء الواجهات باللون الأبيض، ولا يوجد عدد كافٍ من العمال لاستكمال (طلاء) جميع المحال".على المستوى الاقتصادي، ارتفعت أسعار بعض المواد، بينما انخفضت أسعار معظم المواد الغذائية والضروريات الأساسية في ظلّ رفع الضرائب بشكل مؤقت. وقال أبو عماد الذي حوّل سيارته الصغيرة إلى دكان لبيع الخضار في ساحة السبع بحرات في وسط دمشق "الخير جاء دفعة واحدة، سقط النظام وانخفضت الأسعار وتحسّنت الحياة ونتمنى ألا يكون ذلك مؤقتا وأن يستمر على طول". وبعد اللقاء الذي عقده مع الشرع الإثنين، أشار مسؤول المساعدات الإنسانية في الأممالمتحدة توم فليتشر عبر منصة (إكس) الثلاثاء، إلى إمكانية تزويد سورية بالمزيد من المساعدات. وقال "لدي شعور مشجّع بعد اجتماعاتي في دمشق، بما في ذلك مناقشات بنّاءة مع قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع. لدينا أساس لزيادة الدعم الإنساني الضروري إلى المستوى الذي نطمح به". مصالحة رغم أنّ بشار الأسد قدّم نفسه على أنه حامي الأقليات في البلاد ذات الغالبية السنية، إلا أنّ العديد من الدول والمنظمات التي رحّبت بسقوطه، تترقب بقلق كيف ستتعامل السلطات الجديدة مع هذه الأقليات. وقال أحمد الشرع الاثنين خلال لقائه أعضاء من الأقلية الدرزية التي تقدّر بنسبة 3 في المئة من السكان، إنّ "سورية يجب أن تبقى موحّدة، وأن يكون بين الدولة وجميع الطوائف عقد اجتماعي لضمان العدالة الاجتماعية". وخلال لقائه دبلوماسيين بريطانيين في دمشق، أشار إلى "ضرورة عودة العلاقات"، مؤكدا في الوقت ذاته على "أهمية إنهاء كافة العقوبات المفروضة على سورية حتى يعود النازحون السوريون في دول العالم إلى بلادهم". ودافع رياض الأسد وهو أحد زعماء المعارضة، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، عن فكرة أن تكون لسورية "علاقات جيدة مع كلّ دول العالم". وطالب العقيد السابق في الجيش السوري ومؤسس الجيش السوري الحر الذي يضم جنودا منشقين، بأن يحاسَب أعضاء الحكومة المخلوعة على الجرائم التي ارتكبوها. وقال "هدفنا هو المغفرة والمصالحة، ولكن يجب أن تكون هناك عدالة انتقالية، حتى لا تكون هناك أعمال انتقامية". عودة اللاجئين قدّرت الأممالمتحدة الثلاثاء أن مليون لاجئ سوري قد يعودون إلى بلدهم بين يناير ويونيو 2025، بعد إطاحة بشار الأسد. وقالت ريما جاموس إمسيس، مديرة مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال مؤتمر صحافي في جنيف "نتوقع الآن.. رؤية حوالى مليون سوري يعودون بين يناير و يونيو من العام المقبل". وأضافت متوجّهة إلى الدول المضيفة "لا عودة قسرية" لملايين السوريين الذين فرّوا من البلاد التي مزّقتها الحرب. بعد إسقاط بشار الأسد، سارع الكثير من الدول الأوروبية بشكل خاص، إلى تعليق درس طلبات لجوء السوريين، بينما دعت الأحزاب المناهضة للهجرة إلى إعادتهم إلى سورية. وقالت ريما جاموس إمسيس "ما نقوله إلى الحكومات التي علّقت إجراءات اللجوء، هو الاستمرار في احترام حق الوصول إلى الأراضي لتقديم طلب اللجوء، ولكن منحنا أيضا، وللاجئين السوريين، الوقت لتقييم ما إذا كانت العودة آمنة". فرّ ملايين السوريين من البلاد بعد اندلاع نزاع دام في العام 2011، ولجأت غالبيتهم إلى الدول المجاورة، خصوصا تركيا التي تستضيف حوالى ثلاثة ملايين منهم. وتمكنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من نشر موظفين على الحدود لمحاولة حصر العائدين إلى بلدهم أو المغادرين منها، ذلك أنّ السلطات الجديدة غير قادرة على القيام بذلك. وبينما يعود آلاف السوريين إلى البلاد، يغادرها آخرون خصوصا أفراد من الأقليات أو أعضاء سابقين في الحكومة المخلوعة. وقالت ريما جاموس إمسيس، "الآن، ومع هذا التغيير في النظام، ظهرت مجموعات أخرى في وضع ضعيف خلال هذه العملية". رئيس الوزراء السوري المؤقت محمد البشير يلتقي منسق الإغاثة الطارئة للأمم المتحدة توم فليتشر في دمشق (أ ف ب)