أنت تخطّط لرحلة سياحيّة إلى مدينة عالميّة وترسم طريقك وبرنامجك، وحين تقلّك سيارة الأجرة في زحام المدينة باتجاه مقرّ إقامتك تكتشف بعد دقائق أنّ لا شيء مما حولك يدهشك كما كان الحال قبل عقود. نعم فإذا نظرت إلى اللوحات الإعلانيّة ستجدها متشابهة مع ما تراه في معظم المدن التي زرتها، وحين تتأمل أمواج البشر المتدافعين تدرك كم أصبح أفراد مجتمع اليوم ملتصقين بهواتفهم الذكيّة، يرتدون ذات الأزياء ويمارسون ذات العادات في "الطوابير" وأمام إشارات المرور منغمسين وراء السماعات غير آبهين بما حولهم. وهكذا على جنبات الطرق وفي زوايا المباني ستجد ذات أسماء المقاهي والمطاعم التي تعرفها. نعم ستشاهد نفس العلامات التجاريّة تحاصرك كما في كل مدينة مع تعمق الشعور لديك سنة بعد أخرى بفقدان مدن العالم لخصائصها وتنوعها في المتاجر المحليّة والأسواق الشعبيّة والزي الوطني. وما هو أسوأ تراه في أشكال المدن في معظم دول العالم التي اعتمدت على نفس الأساليب المعماريّة؛ فأصبح الناس محبوسين في علب أسمنت وأبراج زجاجيّة ذات تصاميم متشابهة قتلت معها كل خصوصيّة وذوق محلي. كيف لا يصبح العالم مملًا وكل شيء بات متشابهًا أفقد إنسان العصر جمال الدهشة ومتعة التنقل والتجريب ونقل الخبرات. حتى الذوق في الطهي بات متجمدًا عند سلاسل المطاعم العالميّة التي تستبدل الطعام المحلي بوجبات سريعة تماثلت شكلاً ومضمونًا ونتيجة. وحين تختلط بالناس تكتشف أنّ لا جديد ولا ميزات إذ تولّت المنصات الرقميّة مثل إنستغرام، تيك توك، ويوتيوب ترويج الاتجاهات العالميّة في الملبس والمأكل وحتى الذوق الفني وكأنّه محتوم أن يتبني الناس في جميع أنحاء العالم نفس الأزياء والسلوكيات وأنماط الحياة. وحين تقرّر الاتجاه إلى بلدان ومدن أقلّ تلوّثاً بهذه الأنماط المتكرّرة تجد أن الوباء قد سبقك إليها، ففي بعض دول آسيا وأفريقيا حتى حيوانات المحميّات أصبحت مدرّبة مثل حيوانات السيرك لافتعال إثارة مدروسة أملاً في إدهاش السائح، وحين تعود لذات المكان بعد أشهر أو سنوات تتكرّر ذات التمثيليّة وذات الدهشة المصطنعة. وهذا واقع محزن في وجهات سياحيّة كانت في يوم من الأيام فريدة بعد أن تحوّلت بسبب "التسويق السياحي" إلى سلع باردة فقدت معها الأصالة والجاذبيّة. ومن مظاهر التكرار التي سلبت سفر الاكتشاف متعته انتشار قوائم "الأماكن التي يجب زيارتها" ما أفقد المسافر لذة البحث والاكتشاف ولذّة التجربة والمغامرة. وحتى التذكارات المحليّة التي تذكّر السائح بهذه المدن باتت واردات معلّبة تظهر اسم كل مدينة، وتحاول أن تخفي اسم صانعها القابع في مدن الصين وتايلند وفيتنام وغيرها. هل حقًا مع تشابه العالم وفقدان حس المغامرة، وفرص الانغماس الثقافي مع الشعوب لم يعد السفر يضيف للمسافر سبع فوائد. * قال ومضى: تشابهت المدن؛ ومدينتي وحدها ما برحت تصنع الدهشة.