لم يكن الناس فيما مضى يعرفون السفر للترفيه أو السياحة، وكان مجرد التفكير بالسفر وأخذ العدة له من الأشياء التي يتحاشونها في حياتهم، بل يتمنون أن لا يحوجهم الزمن بتقلباته إلى ذلك، فالسفر بالنسبة إليهم قطعة من العذاب، وكان أغلب دواعيه من أجل الحصول على لقمة العيش، فيتحملون بذلك الغربة، ويتكبدون معاناتها؛ أملاً في عيش كريم وغنى يكفي عن ذل السؤال وإن كان المسؤول أقرب قريب لهم، وما أكثر الذين تغربوا عن الأوطان من أجل هذه الغاية، فمنهم من رجع إلى أهله قرير العين بعد أن أمّن مستقبله، ومنهم من رجع وأكل ما جمع ورجع إلى السفر ترداداً حتى قضى أجله في مكابدة العيش، ومنهم من لم يرجع إلى أهله وكان سفره سفرين: سفر الغربة والعذاب، وسفر ودّع به هذه الدنيا الفانية إلى الدار الآخرة، فلم يعد إلى أهله ووطنه، ولم يبق من خبره إلاّ الذكريات، وما أقسى ساعات الفراق، وفي موقف يجسد تلك المعاناة وألم الفراق هو ما حصل من فراق بين شاعر وزوجته، صورته قصيدة للشاعر «منصور بن حسين» الذي كان ممن يمارسون مهنة الغوص بحثاً عن الرزق في الماضي قال فيها: عقب العشا حنّا على البن طربين في مجلس للقرم ذرب اليماني يوم أذّن المذّن وجينا مصلين رقيت أنا للترف صافي الثماني والى حسين الدّل ساهي السباهين يبكي ومن كثر البكا مخشعاني قلت الخبر يا زين وش فيك تبكين يا وش علامك يا ضعيف المشاني قال الخبر شفت الركايب مدنين وتحقق المطراش والعلم باني قلت العذر يازين ما نحن مبطين إبشية المولى رفيع المباني يا سرع ما ناتي على الهجن طربين دل العقيلي فوقها والأواني «أم الدنيا» وجهة السفر الأولى في نهاية الثمانينات الهجرية أبهرت السعوديين الوجهة الأولى بعد أن تحسنت الحالة الاقتصادية وتوفرت مستلزمات الحياة اليومية، وبدأ الناس يعيشون حياة الترف التي جعلتهم يعرفون قيمة الادخار واستغلال المال فيما يعود على حياتهم بالنفع والفائدة؛ صار الناس يبحثون عن الترفيه، ومن عوامل الترفيه التي عرفها الناس آنذاك هي متعة السفر والسياحة داخل المملكة، وبعد أن توافد العديد من الجنسيات للعمل داخل المملكة، وصار هناك حوارات تدور حول بلدانهم، ولعل أقرب هؤلاء وألطفهم كانوا من الجالية المصرية الذين يصفون لهم ما عليه مصر من تطور منذ ذلك الزمن، وعن وسائل الترفيه المتاحة هناك، كالمتاحف، ونهر النيل، والأهرامات، والمطاعم، والكازينوهات، والمسارح، وغيرها؛ مما يجعل من يستمع إليها يسرح بخياله، ويتنقل من مكان إلى آخر، وجعل الفكرة تتخمر في أذهان الكثيرين الذين عقدوا العزم على المغامرة، والسفر طلباً للسياحة، في زمن لم تكن كلمة السياحة فيه دارجة أو معروفة. ملابس السفر تركيبتها «غلط» والأكل بالشوكة والسكين «ملل» و«نصف حكيهم ما ينعرف» عدة السفر كان الشباب هم أشد الناس حماساً لفكرة السفر إلى خارج المملكة من غيرهم، وكان الخيار المطروح التوجه إلى «أم الدنيا»، وكانت كل مجموعة من الشباب الذين تستهويهم ملكة حب المغامرة والخروج عن المألوف تعد العدة للسفر، وذلك بالتهيؤ أولاً بأخذ إجازة من العمل إن كان موظفاً، ومن ثم سبك الأعذار المقنعة للأهل بضرورة السفر إلى خارج المملكة، إما للعلاج، أو مرافقة مريض، أو أي عذر مقنع، فقد كان الناس لا يرون ضرورة للسفر للعزاب من دون دواعٍ؛ لذلك سلك العديد من الشباب تلك الأعذار لأهلهم، وبعد أن تجاوزوا العقبة الكبرى باتوا يستعدون بشراء ما يلزمهم من الطعام أثناء إقامتهم هناك، خصوصاً مما لا يمكن الحصول عليه، حيث يشترون القهوة و»المعاميل» والتمر والأرز والمعلبات، ثم بعد ذلك يتوجهون إلى شراء الملابس من محال البطحاء، والموسرون من محال شارع الوزير، فكل شخص يبحث عن مقاسه فقط، دون الرجوع إلى الذوق، كتناسق الألوان أو الماركات أو الجودة، وأهم شيء لديهم هو شراء «بنطلون» و»بدلة»، والقلة منهم من أصحاب «الكشخات» يلبسون «الكرفته»، إلاّ ان البعض لا يعرف كيفية ربطها بل يشتريها بربطتها، وإذا ما انحلت فانه يقع في ورطة كبيرة، حيث يبحث عن من يعيد ربطها له، وقد يفضل البعض السفر بالثياب والشماغ والعقال من دون المغامرة بلبس يقيده، خصوصاً البنطال الضيق والحزام والذي لم يتعود عليه، حيث يعد تقييداً لحريته في الحركة والجلوس، إلاّ أنّ البعض يفضل اللباس «الإفرنجي»؛ حتى لا يقع فريسة للاستغلال، ومن ثم يحزم أمتعته وينتظر الصباح بفارغ الصبر، لكي يتوجه إلى المطار للسفر إلى «أم الدنيا»، ممنياً نفسه بقضاء وقت ممتع وجميل سيبقى في ذاكرته على مر الأيام. الجنيه كان يساوي عشرة ريالات والمصاريف بالقروش والبخشيش «تعريفة» قصور السلاطين كانت أغلب المباني في تلك الفترة بالرياض مبنية من الطين والشوارع جلها غير معبدة، وتكاد تنعدم الإضاءة فيها، فيغادر من يريد السفر وهو يودع بلدته راسماً في ذهنه أجمل الصور عن الدولة التي ستحط فيها الطائرة التي لم يتعود ركوبها في حياته، ولكن فرحته بالوصول إلى «أم الدنيا» أنسته خوفه وهلعه من ركوب الطائرة، وما هي إلا لحظات وتحط الطائرة ويخرج منها ومن المطار كله، ويستقبله أصحاب «التكاسي»، مرحبين به ومن معه، والكل منهم بلطافته يحاول الظفر به كفريسة للاستغلال الذي ما تعود عليه هؤلاء القادمون من بلادهم، فيركبون مع أحدهم ويعطونه العنوان الذي أعطاه لهم من سبقهم للسفر من أصدقائهم أو من أحد المصريين العاملين في السعودية، وتغمر الجميع الفرحة وهم يستمعون إلى سائق التاكسي وهو يرحب بهم، ويكيل لهم المديح: «أهلاً بأقدع ناس»، بينما يفغر كل منهم فاه وهو يرى الشوارع المرصفة، والإنارة، والحدائق الغناء، والمطاعم الفاخرة، والمسارح، فهم يرون مشهداً لم يشاهدوه من قبل، فتزداد فرحتهم، وبعد أن يوصلهم إلى غايتهم للسكن في «الزمالك» الذي اشتهر في ذلك الحين، وخلده قول أحد الشعراء: ياما حلا الجرسون لا قال يابيه في شقة وسط الزمالك وسيعة شوارع «فؤاد» و«سليمان باشا» و«نجيب الريحاني» و«الهرم» متعة للناظرين أو يسكنون في «مدينة الاعلام» أو «العجوزة» أو «الدقي»، ويأخذ منهم مبلغاً كبيراً من الجنيهات، فيعطونه بصدر رحب الأجرة مضاعفة، وكأنهم في غيبوبة من هول ما يرون، ولا يكتشفون أنّهم استغلوا إلاّ بعد أن يقضوا العديد من الأيام، ويتعرفوا على حقيقة الأسعار، ومن ثم يأتي دور السمسار الذي يستأجرون منه شقة بخدمتها لمدة شهر غالباً بقيمة (30) جنيهاً للشقة و(5) جنيهات للخادمة. ياما حلا الجرسون لا قال يابيه في شقة وسط الزمالك وسيعة جمع القطّة عندما يرغب «الشلة» في السفر فإنهم يجمعون القطة قبل المغادرة من الجميع، ويعطونها لواحد منهم يجعلون له حرية التصرف في الدفع عن الجميع، وغالباً ما يكون أحرصهم، وممن يشتهر بدقة الحساب، فيتولى الصرف على الجميع منذ المغادرة وحتى الرجوع إلى الوطن، وقد كان سعر الجنيه المصري يساوي (10) ريالات في نهاية الثمانينات الهجرية، وكان متوسط دخل الفرد آنذاك من (450-1000) ريال، وقد يتبادر إلى الذهن بأنّ سعر الجنيه مقارنة بالريال يستدعي أخذ مبلغ كبير من المال للصرف هناك، ولكن الحقيقة بأنّ الجنيه كان له قيمته الكبيرة في تلك الفترة، وهو مقسم إلى (100) قرش، ويسمى «ساغ»، والقرش نصفه يسمى «تعريفة»، أي كل قرش يساوي تعريفتين، ورغيف الخبز مثلا في ذلك الوقت بنصف قرش أي بتعريفة، وكم يكون سعيداً من يعطى تعريفه أو قرش كبخشيش، والذي كان مطلب الكل تقريباً ممن تقابله هناك، والأسعار في مصر رخيصة جداً، فالجنيه الواحد تستطيع أن تحضر به العديد من المشتريات، وكان رسوم دخول السينما مثلاً بربع جنيه، وخلاصة الأمر بأنّ تكلفة السفر لمدة تزيد عن الشهر لا يتجاوز (2000) ريال من دون سعر التذكرة الذي يبلغ (500) ريال. حرص البعض على حضور حفلات أم كلثوم أحضان القاهرة بعد أن يستقر المقام بالسياح القادمين من المملكة يبدأون بالتعرف على محيط إقامتهم، بل يتعدى ذلك بالتعرف على معالم القاهرة وشوارعها وأحيائها، فيستقلون سيارة من أجل ذلك بأجرة معلومة يتفقون بها مع سائق التاكسي، الذي يأخذهم في جولة عبق التاريخ والحضارة، فيزورون معالمها الأثرية كالأهرامات، وجبل المقطم، وأسوار القاهرة، كسور الأزبكية، ومبانيها العثمانية، كالقلعة، والقصور الملكية، كقصر عابدين، وتشمل الجولة حدائقها العريقة، مروراً بنهر النيل، فترى السائق يقول: «ان من شرب من النيل مرة فلا بد أن يعيد الكرة»، فينزلون وينهلون من مائه العذب، ويستريحون في أحد مقاهيه «كازينوهات» التي كان من أشهرها «كازينو مصر الجديدة» و»كازينو ميرلاند» و»كازينو الليل» و»كازينو ألأريزونا»، ويشربون ما لذ وطاب من الشراب، وهناك ملاهٍ ليلية لها روادها من الشباب، خصوصاً العزاب، مثل «ملهى رمسيس»، وملاهي «شارع الهرم» الشهيرة، ومن ثم يواصلون الجولة بزيارة برج التلفزيون ذي الارتفاع الشاهق عبر مصعده المفتوح أمام السياح من كل الجنسيات، ويمرون في طريق عودتهم بعدد من المسارح وقاعات الأفلام، ويقضون وقتاً ممتعاً طيلة ذلك اليوم. البحث عن الأجواء الجميلة على الشاطئ وجهات السياح تعارف السياح على عدد من الأماكن السياحية والتي ذكرنا طرفاً منها ومن ضمنها أيضاً شارع «نجيب الريحاني» بمقاهيه العامرة وصخبه الذي لا يعرف الهدوء أو النوم، حيث يعج بالسياح إلى ساعات الفجر وحتى شروق الشمس، وكذلك شارع «سليمان باشا»، ومن الشوارع المشهورة والتي خلدها الشعراء لجمالها في قصائدهم شارع «فؤاد» الذي قال فيه الشاعر الكبير عبدالله اللويحان قصيدة جميلة تعبر عن انبهاره مما شاهده فيه من جمال قال في مطلعها: إن مت في شارع فؤاد ادفنوني ياطا على قبري بنات مزايين ما عاد أكذب عقب شافت عيوني بنات من نسل البوش والسلاطين وقد عارضه كثير من الشعراء وجاروه في هذه القصيدة ومن أشهر من أبدع في ذلك هو الشاعر المبدع «إبراهيم بن مزيد» -رحمه الله- حيث قال: شارع فواد اللي يقولون جيناه اللي يقول ( ... ) فيه ادفنوني قوله حقيقة، ما روى عنه شفناه أشهد وكل اللي معي يشهدوني سيل من العالم بالأقدام تاطاه أجناس أشكال على كل لوني أطلب تجد واللي تبي فيه تلقاه لا شك باصنافه يحير الزبوني راعي الغرض يقضى لزومه من ادناه واللي قلط خطوة يقول غبنوني ودي بهذولا وذولا وذولاه وش عاد لو زاد الثمن وغلبوني لو قلت اعبر عنه بالضبط ابنساه اغلنطست عندي وكثرت شطوني ما عاد أميز وين دربي ومجراه والفكر مني ضاع مير اعذروني وا عمري اللي راح كله مقازاه عشت برجا وأقول كلش يهوني واثر العرب في جنة الله بدنياه وأنا حياتي كلها في غبوني يارب تعطيني على ما اتمناه أسعد مع اللي بالهوى يسعدوني التعرف على معالم مصر هو أول خطوات السائحين طرب وسينما كما أنّ لأهل الطرب وجهتهم لاستماع فنون الطرب الأصيل فتراهم يقصدون «مسرح الزمالك» للاستماع إلى «كوكب الشرق»، والتي يطلق السكان المحليون عليها مسمى «الست»، فغالباً ما يقول سائق التاكسي للسائح «عايز تسمع الست.. أوديك للمسرح بتاعها»، فيستمتع الكثير منهم بقص تذكرة وحضور إحدى حفلاتها والاستماع إلى أشهر أغانيها، وقد يرغب البعض حضور حفلات «العندليب»، كما أنّ للفنان «عدوية» جمهوره هو الآخر، الذين يحضرون له العديد من أغانيه، ومن الفنون الجميلة التي تقدم الأفلام التي يشاهدونها في قاعات عرض السينما، ومن أشهر قاعات السينما «دار سينما قصر النيل» و»سينما ميامي»، وكذلك المسرحيات، ومن أشهر المسارح مسرح «متروبول»، ومما يبهج السائح ويعد شيئاً جديداً عليه ولا يخطر على البال هو وجود «السيرك القومي» في تلك الفترة في أواخر الستينات الميلادية، ويتم فيه عرض العديد من الحيوانات المتوحشة التي تؤدي العديد من الحركات التي يأمرها بها مدربها، وقد كان هذا شيئاً جديداً ومبهراً ومن أكثر ما يتحدث به السائحون إلى أهلهم وأصدقائهم به، بل ويباهونهم بسبق النظر إليه والتمتع به. الرحلة إلى مصر كانت تحمل سعادة وفرحاً للمسافرين برنامج متكامل نظراً لكثرة الوفود السياحية إلى مصر فقد كان هناك متخصصون من أهل البلد في أخذ السياح ومن ضمنهم في جولات سياحية منظمة، ويطلق على الشخص العامل في هذه المهنة «مرشد سياحي»، حيث يتولى إعداد برنامج متكامل لكل وفد على عدة أيام لجميع معالم مصر، تشمل العاصمة القاهرة، والصعيد، وأسوان، والإسكندرية، وكان الناس يستقلون القطارات في تنقلاتهم، وكان القطار يحمل الركاب من القاهرة إلى أسوان في مدة (16) ساعة، وهناك قطار سريع يطلق عليه اسم «المجري»، ويقطع المسافة في نصف المدة أي في (8) ساعات، وهو ما كان يستقله السياح دون المواطنين؛ نظراً لغلاء تذكرة ركوبه، وفي أسوان يستمتع السياح بمشاهد الآثار الفرعونية، والمعابد، كمعبد «أبو سنبل»، ومصاب «نهر النيل»، و»السد العالي» وبحيرته بمناظرها الخلابة، كما يستمتعون بمشاهدة الآثار الإسلامية، والمتاحف في القاهرة، والاسكندرية، حيث تشمل الجولة ركوب القوارب والمراكب التي تمخر عباب النيل بمقاهيها ومطاعمها المتحركة، خصوصاً في وقت الليل، إضافةً إلى الحدائق ومدن الألعاب، والكازينوهات، والمطاعم، والنوادي، والأحياء القديمة، كحي «القلعة»، و»خان الخليلي»، وهناك عشاق للريف المصري، حيث حياة الطبيعة والبساطة التي يعيشها الفلاحون في «الغيط « و»الترع» بأكلهم الطبيعي اللذيذ، ومشاهدة الحيوانات التي تعيش جنباً إلى جنب مع الأسر في منازلها، كالجواميس، والطيور الداجنة، كالحمام، والبط، والأوز، وغيرها، والسواقي التي تروي عطش الأرض من النيل القريب منهم، كما يستمتعون بمشاهدة العمدة و»شيخ الغفر»، والحياة اليومية التي جلها كد وتعب ولكن لا تخلوا من المتعة، ولا تفارق البسمة والنكتة سكانها على الرغم من قساوة ظروف العيش. تجارة وشطارة يغلب على السياح الذين ينشدون السفر إلى خارج المملكة البحث عن المتعة وجو من الاسترخاء، ويبذلون من أجل ذلك الأموال، ولكن هناك من تجري التجارة في عروقه، فيسافر للسياحة والتجارة معاً، فيكون كمن يضرب عصفورين بحجر، فيقضي أيام إقامته في السياحة والبحث عن المتعة والإثارة، وقبل العودة يشتري العديد من الأغراض ليجلبها معه إلى المملكة، ويبيعها بأضعاف ثمنها، ويدخل قيمة مصاريف سفرته، وتزيد، فتراه مثلاً يشتري ساعات أو أطعمة كالفلفل المسحوق الذي يباع بالقروش التي تعادل الهللات ويبيعه بالريالات إذا رجع، وكذلك الملابس القطنية، والجزم، والذهب في بعض الأحيان، وهذا ينم عن ذكاء وحسن تدبير. هدايا السفر في طريق العودة إلى الوطن لا ينسى معظم الناس جلب الهدايا إلى أحبتهم من الأهل والأصدقاء، ومن الهدايا المتوفرة وبسعر زهيد ويجلبها الناس من هناك الملابس خاصة القطنية، والميداليات التي يكتب فيها اسم صاحبها، والساعات، والتحف النحاسية والخشبية، وكذلك قطع نحاس مكتوب فيها اسم صاحب المنزل، ومثبتة على قطعة خشب؛ لتركيبها في مدخل المنازل من الخارج، وهي موضة لدى الكثيرين، خصوصاً مع بدء انتقال الناس إلى منازلهم الجديدة المسلحة والفلل، وبعد العودة والاجتماع مع الأصدقاء؛ ترى زمرة المسافرين يحكون القصص والمغامرات لأصدقائهم الذين لم يتسنّ لهم السفر، فيصفون ما شاهدوه خلال الرحلة التي استمرت لأكثر من شهر، ويزيدون في المبالغة، ويزمرون عليهم، ويكلمونهم، وكأنهم يأنفون أن يجلسوا معهم، فقد صاروا من أصحاب السفر والمتعة، بينما الكل آذان صاغية لهم، ويتمنون أن تسنح لهم الفرصة للسفر مثلهم، فقد زادوا ولهاً من كثرة سماعهم لما يطرب الأذن من مغامرات. مواقف طريفة كثيرة هي المواقف الطريفة التي مرت على الكثيرين ممن سافر لأول مرة في سفرة سياحية إلى خارج البلاد، ومن الطرائف أشكال اللباس الذي يشتريه الناس من ملابس إفرنجية، حيث يجهلون في ترتيب ألوانها وتهذيب مقاساتها، فتجد الكثير في المطار مثار ضحك من حوله، بل تهكم من شكله، وليس ببعيد عنهم من لبس «الجزمة»، وملابسه الضيقة الإفرنجية، فعندما حط رحاله بالمطار في القاهرة فإذا به ينزلق على أرضيته، ويقع بين الناس، فهو لم يتعود المشي في «الجزمة» أو هذا اللباس، كما أنّ الأكل بالشوكة والسكينة كان صعباً على الكثيرين؛ مما جعلهم يضربون بخمسهم عرض الحائط بنظرات المستنكرين لهذا الفعل، وكذلك معرفة قيمة الجنيه بالنسبة إلى الريال، وقد جعلهم ذلك فريسة لمن امتهن النصب، خصوصاً من كبار السن الذين تنقصهم الدراية والخبرة في هذا المجال. خمسة وعشرون قرشاً كانت تعني الكثير في وقتها الجنيه المصري القديم رسوم دخول لكازينوهات ودور سينما في مصر