تنقل لنا منصات التواصل الاجتماعي العديد من صور الجدران في أحياء قديمة من المدن السعودية مكتوب عليها عبارات على مختلف أنواعها بين الشعر والنثر بكافة أنواعه شعبيه وفصيحه، وبعض هذه العبارات كتبت بخطوط لافتة جمالاً وتنسيقاً. ويبدو أن إنتاج هذا النوع من الممارسات قد توقف إلا في النادر ومن خلال فعاليات منظمة أقيمت في أماكن محددة ومن قبل فنانين معتمدين، وإذا كنا نرى في وقتنا الحالي أن هذه الممارسة نوع من الاعتداء على الممتلكات إلا أنها كان في فترة من الفترات لا ينظر المجتمع لها من هذه الزاوية أو ربما لا يلتفت إليها ولا يتبنى موقف ضدها ولا معها ما دام أنها لا تتضمن ما يخرج عن نطاق الأدب والذوق في كلماتها ومعانيها. الكتابة بدأت قصتها مع الجدران منذ زمن طويل حيث جاءت الكتابة امتدادا للرسم على جدران الكهوف والمغارات ظاهرها وداخلها، وذكر حمود الصاهود في بحث منشور له أن الجدران كانت هي سجلات المصريين وأماكن الكتابة عندهم قبل اكتشاف ورق البردي، بل ذهب الصاهود إلى تأكيد أنه لا تكاد تخلو أي حضارة من ظاهرة الكتابة على الجدران، ومما جاء في الكتاب المهم حول هذا الموضوع الذي نشره نادي نجران الثقافي الأدبي تحت عنوان "أدب الجدران" لعلي حافظ كريري؛ إن من أقدم النقوش النادرة ما يسمى بالقصيدة الحميرية العائدة للقرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد الموجودة على صخرة قرب قصور آل معاصر في اليمن، وجاء التقسيم الذي اعتمده الكاتب للأبعاد الموضوعية المرتبطة بظاهرة الكتابة على الجدران على النحو التالي: البعد الاغترابي، البعد الوجداني، البعد الديني، البعد الاجتماعي، البعد الحضاري، البعد السياسي، وهي أبعاد يبرز بعضها أكثر من بعض بين مجتمع ومجتمع آخر من المجتمعات العربية. الكتابة على الجدران أو أدب الجدران موضوع شيق، واستحق أن نتوقف عنده ونشير إليه على عجالة، وربما هو يعني لأجيال سعودية أكثر مما يعنيه لأجيال سعودية أخرى لأن هذه الظاهرة الاجتماعية كانت جزءًا من ثقافة بصرية لجيل كان يمشي إلى المدرسة ويتأمل الجدران، ويقرأ العبارات ويتأثر ويتوجد، ويكون هذا الوجد أكثر عمقاً عندما يعرف من يقرأ أن صديقه أو زميل دراسته أو جاره هو من كتب هذه العبارة، ومن بث شيء من مكنونات نفسه على هذا الجدار الذي ربما كان طريق لإنسان تهمه هذه الرسالة المكتوبة على الجدار الوسيلة الإعلامية المتاحة له!