يعمد البعض إلى نحت اسمه أو اسم ناديه المفضل أو بيت من الشعر على جبل أو هضبة أو صخرة، سواء للذكرى أو كناية عن تملك المكان أو لسبب آخر قد لا يعلم.. وهذا يندرج في علم الآثار تحت التوثيق أو التأريخ، استقصت «الرياض» آراء عدد من الأكاديميين والمختصين حول هذه الظاهرة الماثلة في تساؤلات منها: كيف سيقرأ العلماء والآثاريون هذه النقوش بعد قرون من الزمن؟ وهل سيتعرفون من خلالها على ثقافة هذه الحقبة الموثقة أصلاً؟! وهل ما تمت دراسته من الآثار القديمة في منأى عن هذه الحالة التي هي للتسلية أو الذكرى كما هو اليوم؟ «حالة فطرية» وعن ذلك يقول الأستاذ الدكتور مشاري بن عبدالله النعيم - كاتب وأستاذ النقد المعماري بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل: الإنسان بطبعه ميال إلى تخليد اسمه وترك أثر يبقى بعده، وهذا الميول يظهر في عدة مظاهر، منها الكتابة على الجدران «الجرافيتي»، الذي يعتبر أحد مظاهر الحضارة المعاصرة؛ حيث يمثل «الجرافيتي» نوعًا من التعبير المباشر عما يدور بخلد مجموعة من الناس، وإظهاره بصريًا للآخرين عن طريق القراءة. هذا ما كان يحدث في الأزمنة الغابرة، فالحفر أو الرسم على الصخور أو جدران الكهوف أو المباني نوع من نقل الفكرة أو الرغبة الكامنة في النفوس والعقول إلى التصوير البصري على الحائط كي تبقى وتقرأ وتخلد. في اعتقادي أن هذا النوع من الفعل الإنساني فيه إشارة واضحة إلى أن من يقوم بهذا العمل يود أن يقول «أنا موجود» و»كنت هنا» أو «مررت من هنا»، أما عن كون هذا العمل سيبقى في المستقبل، فهذا أمر متروك للزمن ولأهمية العمل ودلالته التاريخية، فليس كل أثر «معاصر على وجه الخصوص» ستكون له دلالة، وهذا يختلف عن الكتابات والرسوم التاريخية النادرة التي تشير إلى حقب تاريخية غامضة لم تسجل ولم يؤرخ لها.. بشكل عام التعبير عن الذات من خلال الكتابة على الجدران حالة نفسية إنسانية فطرية عرفها الإنسان منذ فجر التاريخ. «تشويه للتراث» فيما رأى الأستاذ الدكتور طلال بن محمد الشعبان - أستاذ العمارة الإسلامية بكلية السياحة والآثار - جامعة الملك سعود- أنه يمكن لمن سيقرأون هذه الكتابات أن يستفيدوا منها في التعرف على طبيعة حياة المجتمعات التي سجل أفرادها مثل تلك النقوش والكتابات، ولكن الفائدة منها ستكون أقل بكثير من فائدة النقوش الأثرية القديمة التي عثرنا عليها؛ وذلك لأن المجتمعات الحديثة لديها سجلات كاملة وتوثيق متكامل للأحداث سواء بالمطبوعات كالكتب والجرائد والمجلات أو بالصوت والصورة. مؤكدا أن قيمة الكتابات القديمة، أنها كانت تنتمي إلى مجتمعات لم تصلنا منها مواد مكتوبة تكفي للتعرف على أحوالها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مطالبًا بألا يشوه أبناء هذا الجيل ميراثنا من المباني أو الواجهات الصخرية المتقوشة بكتاباتهم احترامًا لذكرى الأجداد وحرصًا على تراثنا. «عبث قاصر» أما الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن سعود الغزي - أكاديمي وعالم آثار - فيرى أن ما يقوم به البعض اليوم هو نوع من العبث، ويعكس ضيق التفكير، وقصر النظر. وقال: من يريد أن يدون ذكرياته فعليه بوسائل التدوين وأوعيتها. أما الجبال والكهوف والمغارات والدحول، فلا تَملك ولا تُملك؛ لأنها مكونات طبيعية استثنيت من الامتلاك؛ لذا من يشوهها بالكتابة أو الرسم فسيعرض نفسه للعقوبة المنصوص عليها في نظام الآثار. د. طلال الشعبان د. عبدالعزيز الغزي د. مشاري النعيم