هذا النوع من الأدب لا تجده في جميع المجتمعات، وأقصد أدب السيارات، وليس المقصود بالأدب هنا السلوك المهذب، وإنما المقصود المادة الأدبية التي تكتب على السيارة. ستجد أن مصر من بين الدول العربية البارزة في هذا الأدب، ولذلك خصص لها أحد أهم علماء الاجتماع العرب دراسة مستقلة شيقة ومُحكمة. سيد عويس الاسم الكبير في منهج تحليل المحتوى، وثقافة النظر بعين فاحصة إلى أدق تفاصيل المجتمع التي يمر عليها الإنسان دون أن يلقي لها كثير بال رغم أنها قد تجذبه وتشد انتباهه، ولكن ليس بمستوى انتباه عويس. اختار سيد عويس "هتاف الصامتين" عنوانا لدراسته التي تناولت إحدى الظواهر الاجتماعية في مصر، وهي ظاهرة الكتابة على هياكل السيارات. كان الهدف الرئيس لسيد عويس من هذه الدراسة هو التعرف على ملامح المجتمع المصري في تلك المرحلة التي أجريت فيها الدراسة، واستطاع السيد عويس من خلال دراسة هذا الأدب الوقوف على طبيعة التفكير الاجتماعي وأهم ما يؤرق المجتمع من مواضيع مرتبطة بالعين والسحر والحسد، وكذلك ما يخشاه وما يتطلع إليه. تعرف على أوضاعهم الاقتصادية، وملامحهم الثقافية، وهموهم الشخصية والاجتماعية دون أن يتحدثوا وإنما من خلال ما كتبوه على هياكل سياراتهم على اختلاف أنواعها وأحجامها ووظائفها. هتاف الصامتين جاء مكتوبا على العربات واستطاع السيد عويس أن يسمعه، ويفحصه ويحلل دلالاته وإحالاته ومضامينه. سمع صوت الفرح وأنات الوجع وآهات الحزن من فم الكلمات على وجيه السيارات المبتسمة أو العابسة أو بين العبوس والابتسام! والعجيب في الأمر أن سيد عويس اختار هذه الطريقة لمعرفة حال التقلبات النفسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي عاشها المجتمع المصري بعد عام 1967م أو ما سمي بعام النكسة، وهو هدف مرتبط بالهدف الأساس أو أن أحدهما متولد عن الآخر. كان لفظ الجلالة حاضرا وبنسبة لافتة في دلالة على روح المجتمع الدينية المرتبطة بالله سبحانه وتعالى "وإن ينصركم الله فلا غالب لكم" "وما توفيقي إلا بالله" "سيري على بركة الله"، وتكررت عبارات مرتبطة بالصبر "الصبر جميل"، ومقت الحسد "يا حاسدين الناس مالكم ومال الناس". وجاء في هذه العبارات كلمات من أغانٍ شعبية وأمثلة، وأحاديث نبوية، وجاءت كلمات من معتقدات وعبارات وجدانية وغيرها كثير. و"الكلمة الحلوة والابتسامة العريضة تصنع المعجزات"، وهي أجمل جملة يمكن أن نختم بها حديثنا عن سيد عويس وهتاف الصامتين. د. عبدالله بن محمد العمري