حين كتب أديبنا الكبير رائد القصة والمسرح الأستاذ أحمد السباعي روايته القصيرة (فكرة)، كان عميقاً في فكرته شفافاً إلى حد الخيال، مما جعل "فكرته" أقرب في سرديتها إلى الواقعية التأثيرية، إذ كان دقيقاً في رسم ملامح بطلة "حكايته"، بعبارات جاءت في سياق الفكرة (كانت كاسمها فكرة وكانت هازئةً بقواعد الحياة، وكان يغريها من جمالها وفتنتها ما يغريها)، بهذه الكلمات البسيطة رسم السباعي ملامح بطلة روايته، وأوحى إلينا ملامحها الظاهر منها والباطن، فتاة فاتنة لامعة بفكرها ساخرة بكل ما يتنافى مع طبيعة تفكيرها، لتصنع لنفسها عالماً مختلفاً غير ما هو كائن في الحياة العادية. يأتي الاهتمام بفكرة الأستاذ أحمد السباعي -رحمه الله-، من مبعث أنها جاءت بعد محاولات عديدة في كتابة الرواية في تاريخ فن السرد في أدبنا المحلي، ولعل أهم تلك المحاولات رواية (التوأمتان) لعبد القدوس الأنصاري، وأعمال أخرى صدرت في المراحل المبكرة لأدب السرد، كروايات (البعث) لمحمد علي مغربي، (أنات الساقية) لحسن عبدالله القرشي، و(المنسية) لحسين عرب، إذ أن القصة في البدايات استهوت الشعراء والأدباء والمفكرين والمؤرخين، إلا أن (فكرة) السباعي جاءت لتضع فن القصة في الأدب السعودي في مسارها الصحيح كنص فني هو الأقرب والأوفى من حيث قواعد البناء القصصي، وهذا لا ينطبق على -فكرته- فقط وإنما على أعماله القصصية وأهمها قصص (خالتي كدرَجان). من الظلم أن نحكم على أعمال الأستاذ أحمد السباعي بمعايير وموازين النقد المعاصر، التي نقيس ونزن بها الأعمال السردية المعاصرة، لأن أعماله القصصية والروائية حين ظهرت في أيامها، كانت بمثابة الانقلاب على أساليب السرد التي ظهرت قبلاً والتي كانت أقرب للمقالة المليئة بالسرد الحكائي والنصح والإرشاد المباشر، واللغة التقليدية المليئة بالمتشابهات والعبارات التي تتكرر في الخطابات الإنشائية، وهو تقليدٌ كان سائداً في ذلك الوقت حتى في النصوص القصصية التي كتبها هيكل والمنفلوطي والعقاد في وقتٍ مبكر. عاصر أستاذنا السباعي -رحمه الله- ثلاثة أجيالٍ، جيل ما قبل الحرب العالمية الأولى، وجيل ما بعد الحربين الأولى والثانية والجيل الحديث الذي بدأ مع النهضة السعودية، وفي سيرته التي كتبها وضمها في كتابه (أيامي) رصد السباعي المراحل التاريخية التي مر بها وعاشها في مجتمعه، وما طرأ على الحياة في الحجاز بواقعية وبلا رتوش. إذا أردنا أن نتفق على ما نراه مميزاً وواضحاً في أسلوب السباعي ولغته القصصية في كل أعماله السردية، فإننا نجد في معظم القراءات النقدية لآثاره الأدبية، أنها تؤكد على أن لأديبنا الكبير أحمد السباعي أسلوبه الواقعي المؤثر، وطرافة وسحر مفرداته الشعبية المحببة، مع براعته في سرد أدق التفاصيل والحرص على رسم ملامح شخصياته التي ينتقيها من الواقع، ولنصوص أستاذنا السباعي خلفية علمية وانتماء وطني يتميز به وسرده الذي يكتب به وكأنه يحكي لنا ويؤرخ. *قاص وكاتب سعودي