نَهْج ثقافي بالغ العُمق والدلالة الذي ابتدرتْهُ وزارة الثقافة وجعلتْهُ خُطّة عمل واعية وذات أثر بالغ في تعزيز الهوية الوطنية وكل عنصر من عناصر ثقافتنا على تنوّعها الذي امتدّ واتّسع باتّساع جغرافية بلادنا وغِنى تراثها وتقاليدها العريقة والمتنوعة. ففي كل عام تحتفي وزارة الثقافة بعنصر مميز من العناصر الثقافية لمملكتنا تحت اسم ثقافي محدد؛ وهو هدف تسعى فيه إلى تركيز الاهتمام تجاه هذا العنصر، والتعريف بقيمته ودلالاته الثقافية، من خلال تعزيز حضوره في المشروعات والفعاليات النوعية؛ فشهدنا عاماً للقهوة وآخر للشعر وهذا العام للإبل، جميعها أثبت عراقة تراثنا وعمقه وتنوعه. ولا غرابة في هذا الاحتفاء والتركيز على كنوزنا التاريخية وقيمنا وعاداتنا؛ فهي استراتيجية نصّت عليها رؤية المملكة 2030 التي اعتبرت أن الثقافة "من مقوّمات جودة الحياة"، كما شددت على أهمية زيادة النشاط الثقافي. الشعر العربي العريق كان هو المحتفى به في العام المنصرم؛ فهو أحد أبرز مقوماتنا الحضارية والتاريخية، وعام الشعر عمل على مدار أيامه على تعزيز قيمته وحضوره لما له من مكانة كبيرة في مدار الشعر الإنساني بشكلٍ عام، ليس لكونه المكوّن الحضاري الشعريّ العربي المتميز عن بقية الفنون فقط وإنما لأنه وعاء للحكمة والمعرفة والتأثير الاجتماعي الأكبر، فضلاً عن تجذره في تاريخ الجزيرة العربية. وانتهاء عام الشعر لا يعني انتهاء الاحتفاء به أو التقليل من الاهتمام به؛ بل إنه مصدر من مصادر العراقة والتأثير والفخر والاعتزاز؛ فهو حاضر في كل مواقفنا الحياتية بصور مختلفة. ولعل المؤتمر الدولي الرابع تحت مسمى (عام الشعر العربي 2023: أصالة الإرث وعالمية الأثر) الذي تحتضنه جامعة الملك سعود بالشراكة مع جائزة الملك فيصل هو إحدى صور هذا الاحتفاء المستدام، وقد اكتسب المؤتمر دلالة ورمزية كبيرتين من خلال تنوّع المحاور وثراء الأوراق المُقدَّمة بدءاً من شعره اللافت "أصالة الإرث وعالمية الأثر" ومروراً بعدد الأوراق التي تنوعت في تناولاتها للغة والشعر وتكريس حضوره وآفاقه المستقبلية سيما في زمن طغت فيه وسائل التواصل التي تكرّس الضعف الثقافي عموماً والشعري خصوصاً، فضلاً عما تفضي إليه من هشاشة ثقافية وسطحية في الفكر والتربية. هذا المؤتمر جاء -كما أعلن منظّموه- اتساقاً مع احتفاء القيادة الرشيدة في المملكة العربية السعودية بالشعر، ويأتي هذا المؤتمر الدولي ليثمّن قيمة المنجز الشعري بمستوييه الفصيح والنبطي، ويعتمد طرحاً غير مألوف لقضايا الشعر العربي في إطار الوعي براهنه ومستقبل الطروحات التي تشغل الباحثين في حقول الإنسانيات. ومن يطلع على أهداف المؤتمر يدرك حجم الاهتمام والاحتفاء باللغة والشعر خصوصاً سواء من حيث الإسهام في دراسة الشعر العربي في ظل الرهانات المعاصرة ومعالجة الظاهرة الشعرية معالجة بينية واستجلاء دور الشعر الحيوي في إثراء الثقافة العربية عبر العصور، وكذلك إبراز المكون الحضاري الشعري وتجذره في تاريخ الجزيرة العربية فضلاً عن الكشف عن الإمكانات الاستثمارية للشعر العربي، ودوره الفاعل في السياحة الثقافية.