صراع الأجيال ظاهرة اجتماعية ثقافية تعيشها المجتمعات الإنسانية؛ وهو عبارة عن صراع أيديولوجي بين جيلين اثنين: جيل قديم راديكالي ومحافظ، وجيل جديد يدعو إلى الحداثة والمعاصرة، فالأجيال تتوالد والسلف يورث الخلف عاداته وتقاليده ومعتقداته وقيمه، فإيقاع الحياة هو المختلف، فالخلاف هو خلاف طبيعي ضمن سياق التطور الاجتماعي، وهي قضية مجتمعية مهمة لأنها قد تضعف العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة نتيجة للتباينات والاختلافات في الآراء والمواقف ووجهات النظر وتضعف من كيان الأسرة. حسب علم الاجتماع التغير في حجم وشكل المجتمع مصحوب دائماً بتغير في المفاهيم وأساليب الحياة الجديدة من أجل أن يستطيع المجتمع التكيّف مع هذه التغيرات والحفاظ على التوازن وتحقيق الاستقرار، لذلك من الطبيعي أن تتغير شخصية الإنسان طبقاً لما يدور حوله من تحولات وتطورات في شتى مجالات الحياة، وبالتالي فإن هذه العلاقة الجدلية والضرورية بين الشباب وكبار السن ممن دخلوا في مرحلة الشيخوخة حالة صحية وطبيعية ومرتبطة بطبيعة الفرد والمجتمع ومسيرة الإنسان، وهي حالة عامة لا تقتصر على شعب واحد أو مجتمع واحد، ففي كل مرحلة من مراحل الحياة البشرية تكون هناك فجوة بين الأجيال المختلفة في الأعمار والأفكار والطموحات وهذه الفجوة تتراوح بين خيارات الصراع والانعزال والتكامل بين هذه الأجيال. مصدر هذا الصراع هو التغيرات السريعة في العناصر المادية والمعنوية في المجتمعات مصحوب بتغير في المفاهيم وأساليب الحياة الجديدة كي يستطيع المجتمع التكيّف مع هذه التغيرات والحفاظ على التوازن وتحقيق الاستقرار، وحسب مراكز الأبحاث الأميركية فإنها تفرق بين الأجيال العمرية في السياق الأميركي بناءً على علاقتها بالتكنولوجيا والعوامل الاقتصادية التي أثرت عليها، وأيضًا أسلوب تربيتها لأبنائها، فهناك خمسة أجيال أساسية يتم التعامل معها؛ أولها: جيل (البيبى بومرز) Baby Boomers يتواجد مواليده فيما بين 1946 و1964، أي بعد الحرب العالمية الثانية، وجيل (إكس) Gen X يتواجد مواليده من 1965 إلى 1980، فيما يتواجد مواليد جيل (الميلينيز) Millennials بين 1981 و1995، ومواليد الجيل (زد) Gen Z بين 1996 و2009، ومواليد الجيل (ألفا) Gen Alpha بين 2010 و2024. ومن ثم فإن أهالي جيل (الميلينيز) وصغار جيل (إكس) هم من جيل (البيبى بومرز)، في حين أن أهالي جيل (زد) وكبار جيل (ألفا) هم من جيل (الميلينيز)، وإذا نظرنا إلى متغير التكنولوجيا وعلاقة الأجيال به، نجد أن الأجيال الثلاثة الأخيرة هي الأعمق تواصلًا بالتكنولوجيا، فجيل (الميلينيز) هو الذي عرف الإنترنت منذ طفولته، والهواتف الجوالة، وشهد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي تأثر بها وكانت أداته الأساسية في التعبير عن نفسه سياسيًا واجتماعيًا. أما الجيل (زد) فهو الذي لم يعرف حياة بلا هواتف جوالة وبلا مواقع تواصل اجتماعي من الأصل، ولم يتخيل الحياة بدونها. أما الجيل (ألفا) فهو الذي وُلد بأكمله في القرن ال21، وسيكون علامة فارقة في علاقة الأجيال بتكنولوجيا تتطور بشكل مذهل وسريع. فهل يعنى ذلك أن الخلافات الجيلية بين آباء جيل (الميلينيز) وأبناء جيلي (زد) و(ألفا) ستكون أقل حدة من الخلافات الحالية بين جيلي (الميلينيز) و(زد) من جهة، وجيل (البيبى بومرز) من جهة أخرى؟ الحقيقة هي أنه يصعب الإجابة عن هذا السؤال من دون إجراء مزيد من الأبحاث عن شكل تأثيرات العوامل الاقتصادية وأسلوب التربية والعلاقة بالتكنولوجيا على الأجيال المختلفة في السياق الإقليمي لكل مجتمع، فمن ناحية هذه المحددات الثلاثة وتأثيراتها الطبقية والاجتماعية والثقافية، تختلف في السعودية عما هو في السياق الغربي.. ويبقى هذا الصراع هو الوجه الآخر لصورة التواصل والتكامل بين الأجيال المتعاقبة والمتوالدة، وعلى متنه ظواهر الكون في أدق استخداماته المفصلية.