حيٍّ ورى الطايف حدورٍ شماله وشرق الجبال اللي بها برقة الذيب سقى الله أم الدّومِ والبيداء حولها بماءٍ زُلالٍ من المزنِ ينسابُ يوجد في بلادنا المملكة العربية السعودية الكثير من القرى والمُدن ذات الطبيعة الخلاّبة و الأجواء المناخية الجذّابة مثل مدينة أم الدّوم التي تقع على طريق الرياض- الطائف على بعد 200 كيلو متر تقريبا الى الشمال الشرقي من محافظة الطائف باتجاه الطريق المنحدرة الى مهد الذهب والمدينةالمنورة, والتي تصنّف ادارياً بكونها أحد أكبر المراكز الادارية لمحافظة المويه الواقعة شمال شرق مدينة الطائف في اقليم عالية نجد حيث يوجد عدد من المراكز الادارية مثل مركز ظلم شرق المحافظة, ومركز أم الدّوم الى الشمال الغربي منها, وكذلك مركز مرّان و مركز دغيبجة و مركز حفر كشب, وهناك رضوان والعطيف في الجهة الغربية من المحافظة, والى الجنوب الغربي محافظة الطائف ثم الخرمة. كانت أم الدّوم في الماضي البعيد مشهورة بوفرة مياهها, حيثُ بقيت احدى أهم الموارد المائية لسنوات عديدة. وكان النّاس يقصدونها لأجل التّزود بالمياه العذبة في الآبار الارتوازية العميقة. وكانت أم الدوم قرية صغيرة, شبه معزولة عن العالم الخارجي لعدم توفر شبكة الطرق الحديثة آنذاك, ولم يكن يتجاوز عدد سكّانها العشرات في حين يصل العدد اليوم الى ما يقارب العشرين ألف نسمة غالبيتهم من الشباب دون سن الثّامنة عشر, ولا يزال هذا العدد يتزايد يوماً بعد يوم نتيجة للهجرة العكسية اليها بعد ارتفاع تكاليف الحياة اقتصادياً في المدن الكبيرة, ونتيجة لتوفّر بعض الخدمات الأساسية والمقوّمات السياحية والاقتصادية, وبالتالي نجد أن الانظار تتجه اليوم اليها بوصفها بيئة استثمارية جاذبة لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة. تتميز أم الدّوم بأجوائها اللّطيفة والمعتدلة صيفا وشتاء لقربها من مدينة الطائف عاصمة المصايف ومهوى أفئدة السّياح والزائرين. كما تتميّز أم الدّوم بكثرة المزارع فيها اضافة الى وفرة المياه الجوفية في بعض المواقع المحيطة بها, فضلاً عن توفّر المقوّمات السياحية الأخرى مثل أشجار الدّوم المعمّرة وكذلك مقلع "طميّة" الواقع الى الشمال من أم الدوم والذي يعدّ وفقا للمصادر التاريخية أحد المواقع الأثرية الجاذبة للمهتمين بالآثار والسياحة, والمُلهٍم أيضاً للشعراء كما أوضحت ذلك في مقال سابق بعنوان "توظيف الشعراء لأسطورة طميّة في قصائدهم", اضافة الى وجود متحف أم الدّوم الذي يعد مرجعا تاريخيا يجسّد بعضاً من جوانب الحياة في الزمن الماضي الجميل, ويحتفظ بكثير من أدوات ووسائل العمل التي استخدمها الانسان قبل مئات السنين. وهذا ما يجعل مدينة أم الدّوم مؤهلةً لأن تكون قادرة على استقطاب رجال الأعمال والزائرين والسّيأح والمهتمّين بالآثار من داخل المملكة وخارجها. لقد بذلت الحكومة السعودية الرّشيدة جهودا كبيرة لتطوير أم الدّوم وما جاورها من القرى والمراكز الأخرى كما ذكرت في مقال سابق بعنوان " القرى والمراكز التابعة للمحافظات بحاجة الى تطوير", غير أنها لا تزال بحاجة الى مزيد من التطوير والتنمية في كافة المجالات الخدمية وذلك نظرا لكونها وجهة سياحية مفضّلة, ونظرا لتزايد أعداد المقيمين فيها من المواطنين لكونها تحظى بوجود المواقع الأثرية والتاريخية حيث كان يمرّ بها درب زبيدة التاريخي في عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور والذي لا تزال آثاره و أطلاله باقية الى يومنا هذا. كما وأن أم الدوم تُعرف وفقا لبعض المؤرخين بأنها أرض بنو هلال قديماً قبل هجرتهم المشهورة في القرن الثالث الهجري الى بلاد الشام وشمال افريقيا. وفي اعتقادي ان من يزور هذه المدينة الصغيرة ويعيش فيها لفترة زمنية محدّدة, فلا بد و أن تراوده فكرة العودة اليها و يشدّه الحنين لزيارتها مرة أخرى نظرا لقوة جاذبية المدينة الحالمة والوادعة في أحضان الطبيعة السّاحرة التي تتخلّلها الأودية والمزارع والجبال الشاهقة الجاذبة لهواة تسلّق الجبال و توثيق اللحظات لا سيما وقت الغروب والشروق. وكان أحد كبار الشعراء أشار لبعض الرّموز المكانية لأم الدّوم في قصيدته التي كتبها خلال الثمانينات من القرن الماضي عندما طال به الغياب و رحل بعيدا عن دياره في أم الدّوم, ثم عاد لاحقا اليها بعد أن هزّه الحنين لتلك الرّموز المكانية في الحيّ الذي عاش فيه سنين عددا, وممّا قاله الشاعر: يالله ياللي كل حيّ يساله يا فارج الكربات عقب التصاعيب تفرج لمن قلبه تزايد جفاله كنّه يقالب فوق جمر المشاهيب من ود حيّ شف قلبي واماله من ودّهم صاب الضماير لواهيب حيٍّ ورى الطايف حدورٍ شماله وشرق الجبال اللي بها برقة الذيب علي البيار اللي تصارخ محاله ومكاينن تسقي الغروس المهاديب يُلاحظ من هذه الأبيات أن الشاعر ماجد بن سفر الذيابي يتذكّر ويصف ويجسّد ويعبّر عن رغبته الشديدة في العودة الى تلك الرّموز المكانية التي نشأ بالقرب منها مثل "برق الذيب", وهو أحد الجبال الشاهقة الارتفاع التي تحيط بأم الدّوم من الجهتين الغربية والشمالية, اضافة الى ما ذكره من رموز مكانية أخرى كأشجار الطّلح والسّمر والدّوم, وأيضا الآبار والمراعي وغيرها من الشواهد والمعالم المكانية التي تجذّرت في ذاكرة الشاعر الى الحد الذي جعله راغبا بالعودة اليها والبقاء في ربوعها. وبرغم ابتعادي عنها لأكثر من أربعة عقود, الا أنني لا زلت أيضا أتذكّر التفاصيل الدّقيقة لطبيعة هذا المكان عندما كنت صبيّا يافعا يلهو مع الرّفاق ولم يكن يتجاوز آنذاك السنة السابعة من عمره. سقى الله أم الدّومِ والبيداء حولها بماءٍ زُلالٍ من المزنِ ينسابُ منصور الذيابي مقلع طميّة أشجار الدّوم