بين أساطير العشق والظواهر الطبيعية يسكن «مقلع طمية»، أو فوهة «الوعبة»، محتلاً مكانة بارزة في وجدان الشعراء وسكان المنطقة، ودارت حوله الكثير من القصص الخرافية وأخرى أثبتها العلماء، ومنها أن الموقع نتج من اصطدام نيزك، أو أنه نتيجة «عشق بين جبلين»، إلا أن الدراسات العلمية أوضحت أنه فوهة بركان خامد منذ مئات السنين. والمقلع الذي يقع على بعد 175 كيلومتراً شمال الطائف على طريق الحجاز - الرياض السريع، عبارة عن حفرة عميقة دائرية الشكل عمقها 380 متراً، وقطرها حوالى ثلاثة كيلومترات، وفي باطنها طبقة ملحية تكونت من تجمع مياه الأمطار في قاع الفوهة، ويوجد في أطرافها الجانبية مساحة خضراء من النباتات البرية، وأشجار النخيل والدوم. وقام فريق بحثي من جامعة الطائف يضم متخصصين في علوم الأرض ومجالات الجيولوجيا الرسوبية والنظائرية والجيوفيزياء التطبيقية والمعادن والصخور والجيوكيماوية، بعمل مشروع بحثي شامل بعنوان «الخسف الكبير بمنطقة مقلع طمية نتيجة ارتطام نيزكي أم طفح بركاني»، وأجرى كشفاً عن نوعية المعادن والخامات الاقتصادية المصاحبة لهذه الطفوح البركانية. ووصف أستاذ الجيوكيمياء المشارك في كلية العلوم جامعة الطائف الدكتور هشام عوض أحد المشاركين في المشروع، الموقع بأنه «أحد عجائب الدنيا الطبيعية التي لم يشيدها الإنسان ولم تعبث بها يديه، وإنما هي ظاهرة طبيعية متفردة ونادرة وتعد مزاراً سياحياً واعداً في السعودية». وأوضح عوض أن الفوهة «تعتبر من مخلفات براكين حرة كشب المشهورة في وسط شرق الدرع العربي التي تكونت في عصر يعد من أقدم العصور التاريخية في سجل الحياة الظاهرة». وأشار إلى طرائف وأساطير يتداولها الأهالي حول أصل تكون هذه الحفرة، منها أسطورة يتناقلها الناس تقول إن جبلاً يسمى طمية (أنثى) عشق جبلاً آخر يسمى «قطن» في إحدى ليالي البرق الممطرة، فانخلع من مكانه بغية الذهاب لمعشوقه مخلفاً وراءه هذه الحفرة العظيمة، ولكن شاهده جبل آخر «عكاش» فغار ورماه بسهم فأسقطه بجواره وتزوجه. وأصبحت الأسطورة بين قطن وطمية وعكاش الموجودة فعلاً ولكن بجوار مدينة بريدة. وعلى رغم تأكيد عوض بأنها أسطورة، أوضح أن المستمع يرى اليقين في عيون من يقصون عليه هذه الأسطورة من السكان المحليين، بل ويضربون بها الأمثال في أشعارهم مثل قول أحدهم: «حنا جبال وبيننا الحب شابك، نعشق بعضنا بالليالي الخلية... قلت أبشري إني لوصل جوابك، بس عرفيني فيك قالت طمية». أما امرؤ القيس فوصفها في شعره: «كأن طمية المجيمر غدوة، من السيل الغثاء فلكة مغزل». وكتب الأمير خالد الفيصل في المقلع قصيدته «طمية» التي قالها في زيارته إلى الموقع، ومنها: «انتزع قلبي مثل نزعة طمية.. يوم هز العشق راسية الجبال..». وذكر عوض في دراستها أنه يقال إن أعظم ماسة خضراء (الزبرجد الزيتوني) في تاج الخليفة العباسي هارون الرشيد، جلبت إليه من منطقة «مقلع طمية»، حين أهداها إليه أحد التجار المارين في طريق الحجاج بهذه المنطقة، و«الزبرجد الزيتوني» موجود في المنطقة وهو أحد أنواع الأحجار الكريمة، بحسب ما أشار إليه عوض في مشروعه المنشور في موقع جامعة الطائف، فضلاً عن وجود معادن اقتصادية مهمة، مثل: الأوليفين، والزيوليت، وتوقع الفريق البحثي وجود معدن الذهب في صخور المقلع. يُذكر أن مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة خالد الفيصل دشن أخيراً، مشروع تهيئة «مقلع طمية»، بعد تنفيذه إثر اتفاق تم توقيعه بين الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وشركة الطائف للسياحة والاستثمار (الطائف سما)، بإشراف مركز التكامل التنموي في إمارة مكةالمكرمة. وأوضح رئيس مجلس إدارة «الطائف سما» المهندس مساعد الغامدي أن المشروع عبارة عن مركز للزوار يحوي صالة عرض رقمية ومظلات وحوائط حجرية على فوهة المقلع ومصلى ودورات مياه ومواقف للسيارات.