اندلعت اشتباكات في العاصمة الليبية الثلاثاء مع محاولة رئيس الوزراء المعين من قبل البرلمان فتحي باشاغا السيطرة على الحكومة لكن إدارة منافسة ترفض التنازل عن السلطة أجبرته على التراجع ومغادرة المدينة. ودخل باشاغا طرابلس بعد شهرين من الجمود بين الإدارتين المتنافستين في ليبيا، لكنه انسحب بعد ساعات مع اندلاع القتال في المدينة. وتهدد الأزمة بإعادة ليبيا إلى قتال مطول بعد عامين من السلام النسبي أو إعادتها إلى التقسيم بين حكومة باشاغا المدعومة من الشرق وإدارة طرابلس بقيادة عبدالحميد الدبيبة. وأدى الجمود السياسي بالفعل إلى إغلاق جزئي لمنشآت نفط ليبية، مما قلص المصدر الرئيس للإيرادات الأجنبية بمقدار النصف. ولا تحقق الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة أو تمهيد الطريق لإجراء انتخابات جديدة تقدما يذكر. ودوت أصوات أعيرة نارية من أسلحة ثقيلة وأسلحة رشاشة في أنحاء العاصمة طرابلس صباح الثلاثاء وأُغلقت المدارس وخفت حركة المرور في ساعات الذروة التي عادة ما تكون مزدحمة. واستمر إطلاق نار متقطع بعد مغادرة باشاغا، لكن الهدوء عاد في وقت لاحق. وقال جلال حرشاوي، الخبير في الشأن الليبي، "لا أعتقد أن الأمور ستعود هادئة ساكنة"، موضحا أن الدبيبة سيحاول على الأرجح ممارسة مزيد من الضغط على الفصائل المتحالفة مع باشاغا في طرابلس. لكنه أضاف أن من غير المرجح على ما يبدو حدوث تصعيد على نطاق واسع، في ضوء انسحاب باشاغا سريعا من طرابلس في أعقاب اندلاع الاقتتال. وفي المناطق الوسطى، بعيدا عن الاشتباكات على الجانب الشمالي الشرقي من طرابلس، لم يكن هناك ما يشير إلى وجود نشاط عسكري، مع استمرار سيطرة حكومة الدبيبة على ما يبدو. ومع عدم قدرة أي من الجانبين، فيما يبدو، على تحقيق تفوق عسكري حاسم في أنحاء البلاد، يبدو أن ليبيا الآن مهيأة لفترة أطول من الجمود مع تحصن الدبيبة بقوة في طرابلس وعدم قدرة خصومه على السيطرة عليها. وقد يؤدي ذلك إلى إطالة أمد إغلاق منشآت النفط الرئيسية من جانب قوات شرق ليبيا المرتبطة بالقائد خليفة حفتر، الذي يدعم باشاغا، أو تصاعد الاشتباكات خارج العاصمة. جمود لم تنعم لليبيا بأمن يُذكر منذ انتفاضة 2011 التي دعمها حلف شمال الأطلسي وأطاحت بمعمر القذافي، إذ انقسمت في 2014 بين فصائل متناحرة في الشرق والغرب قبل إبرام هدنة في 2020 وضعت البلاد تحت حكم حكومة وحدة هشة. وانهارت خطة لإجراء انتخابات في ديسمبر وسط خلافات بين الفصائل الرئيسية والمرشحين البارزين حول قواعد الانتخابات. وتحرك البرلمان، الذي انحاز إلى الشرق خلال الحرب، لتعيين حكومة جديدة. ورفض رئيس حكومة الوحدة، الدبيبة، تحركات مجلس النواب قائلا إن إدارته لا تزال شرعية وإنه لن يسلم السلطة إلا بعد الانتخابات. ودأب باشاغا، وزير الداخلية السابق الذي ينتمي مثل الدبيبة لمدينة مصراتة الساحلية القوية، على القول إنه سيدخل طرابلس دون عنف. وانتهت محاولاته السابقة للقيام بذلك بعرقلة موكبه من قبل الفصائل المنافسة. وقال مجلس النواب الأسبوع الماضي إن حكومة باشاغا يمكن أن تعمل الآن من مدينة سرت، الواقعة في وسط البلاد قرب خط المواجهة المجمد بين الفصائل الشرقية والغربية. وتركز الدبلوماسية على المحادثات بين البرلمان وهيئة تشريعية مقرها طرابلس لتمهيد الطريق لمحاولة أخرى لتسوية الصراع في ليبيا من خلال إجراء انتخابات. واعتبرت وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية الليبية محاولة حكومة فتحي باشاغا دخول طرابلس الثلاثاء بأنها "عملية صبيانية مدعومة بأجندة خارجية". وأصدرت الوزارة، التي يرأسها رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة بيانا قالت فيه: "قامت مجموعة مسلحة خارجة عن القانون بمحاولة التسلل داخل العاصمة لإدارة الفوضى باستخدام السلاح". وأوضح البيان أن "الأجهزة العسكرية والأمنية تعاملت بإجراءات حازمة ومهنية لمنع هذه الفوضى وإعادة الاستقرار للعاصمة، ما أدت لفرار هذه المجموعة المسلحة". واستعان باشاغا في الدخول لطرابلس ببعض الكتائب المسلحة، على رأسهم كتيبة "النواصي"، الأمر الذي رفضته كتائب أخرى، قامت بمحاصرة مقر كتيبة النواصي بطريق الشط وسط طرابلس. وبعد اشتباكات مسلحة لم تعرف نتائجها بعد، قام آمر اللواء 444، محمود حمزة بالتوسط بين الفريقين، وتوصل إلى اتفاق يقضي بخروج باشاغا والقوات التابعة له من المدينة. وعقب انتهاء الاشتباكات، قام رئيس حكومة الوحدة الوطنية بجولة ميدانية داخل طرابلس لمعاينة الأضرار الناجمة عن الاشتباكات، رفقة بعض الوزراء. ووجه الدبيبة تعليماته بحصر الأضرار وتقدير التعويضات المناسبة. من جهته، قال نائب رئيس المجلس الرئاسي، عبدالله اللافي، إن "ما حدث من أعمال مسلحة، لا يمكن أن يُنتج أي نوع من الاستقرار، فحل الأمور السياسية باستخدام السلاح يجب أن يكون قد ولى إلى غير رجعة، فقد جربه الليبيون وأثبت فشله". وطالب اللافي، كافة الأطراف بالالتزام بقدر كبير من المسؤولية وضبط النفس، وأن تضع في الحسبان أرواح المدنيين وممتلكاتهم، مؤكدا أن مثل هذه الأعمال تأتي في مرحلة بغاية الخطورة على الوطن والمواطنين.