حين تتجه إلى الأسواق القديمة في الرياض، وتحديدا باتجاه منطقة قصر الحكم أو شارع الخزان (الإمام فيصل بن تركي)، ستلفت انتباهك تلك البناية الغريبة القابعة على طرق الملك فهد شرقا، والتي عرفت عند سكان الرياض باسم (عمارة الباخرة). وظلت هذه العمارة صامدة لأكثر من ستين عاما، محافظة على بنائها الأساسي دون تغيير، وبنفس تصميمها الجميل الذي يأخذ شكل الباخرة الكبيرة، محاطة بثلاث شوارع مهمة. وبقيت عمارة الباخرة حاضرة في أذهان جيل الطيبين من مواليد السبعينات والثمانينات والتسعينات الهجرية، حيث تميزت باحتضانها لأهم الأطباء العرب الذين عملوا في الرياض قديما، وفتحوا عياداتهم الخاصة في هذه العمارة. كما أن بعض سكان شارع الخزان يدونون عناوينهم البريدية بكتابة (بالقرب من عمارة الباخرة)، بل إن طريق الملك الفهد كان يسمى أحيانا قبل تدشينه بطريق غرب الباخرة. ويقول فهد المفيريج وهو باحث مهتم في تاريخ الرياض الحديث، إن مقاولين اثنين شقيقين قدما من الشام مصطفى وأحمد حجازي، هما من بنى العمارة في العام 1377 الموافق لعام 1957، وهو العام الذي صادف انتهاء سفلتة شارع الخزان. وأوضح المفيريج أن العمارة هي أول عيادات خاصة في الرياض، بل إن البعض يراها أول مركز طبي خاص، مشيرا إلى أن الأطباء الذين عملوا في أول مستشفى في الرياض وهو (مستشفى القري)، ومستشفى الملك سعود (الشميسي)، افتتحوا عياداتهم في العمارة. وذكر المفيريج أن من ضمن الأسماء المشهورة في ذلك الوقت، الأطباء: محمد علي الشواف، وعبدالرحمن الزهار، وعبدالله أخضر، وحسن فريد زغلول، عبدالحميد عثمان، وأبو بكر يوسف، والنابلسي، وغيرهم. وشهدت العمارة في تلك الفترة افتتاح أول صيدلية بالرياض في شارع الخزان وهي (صيدلية الديرة)، ومحلات عاشور الراقية، الأمر الذي ساهم في شهرة العمارة عند سكان الرياض. من جهته، يستذكر مشعل بن شهيوين وهو أحد سكان حي الفوطة القريب من العمارة ذكرياته، حيث يرى أن العمارة كانت معلما مهما في ذلك الوقت، ولا يمكن أن ينساها سكان العاصمة، كونها ارتبطت بعيادات الأطباء. وطالب مشعل بن شهيوين الجهات المختصة بالتراث، بضرورة الحفاظ على هذه العمارة التي تعتبر أحد معالم شارع الخزان، بتصميمها الجميل والغريب، والذي ظل محفورا بالذاكرة لدى جيل الثمانينات والتسعينات، وموقعها المميز بالقرب من الأماكن التاريخية والتراثية لمدينة الرياض.