في خِضم هذه الحياة المعاصرة والمليئة بالمستجدات والضغوطات يحتاج الإنسان لفسحةٍ من الوقت، كوقتٍ مستقطعٍ من يومه يستغله المرء بما يعود عليه بالنفع والمتعة، ولا أجمل من استغلال هذه الأوقات المستقطعة في قراءة الفنون الأدبية كالرواية على سبيل المثال لا الحصر، وعلى أن الرواية قديمةٌ في تاريخها إلا أنها مازالت مبهرةً متجددة ومتنوعة أيضاً فهي تُعَرف على أنها سلسلةٌ من الأحداث التي تُكتب بأسلوبٍ سردي متسلسل، يتم وصفها على أنها قصةٌ مطولة، وقد تكون واقعية تروي أحداثاً من حياة الناس وواقعهم بأسلوب أدبي شيق وتعكس في أحداثها آراء الكاتب تجاه ما يكتب عنه، أو أن تحكي الرواية واقع كاتبها، كرواية "لا يملكني" للكاتبة نورة الشامسي، والتي تحدثت عن رحلتها مع مرض السرطان، وكيف تمضي أيامها بأمل رغم الألم الذي تقاسيه، وعلى الرغم من وفاتها - رحمها الله - متأثرة بمرضها إلا أن هذه الرواية كانت متنفساً وأملاً لها، وهي ما سيُخلِد اسمها في عالم الأدب، وستكون أملاً لكثيرٍ من القراء، فقد كتبت في روايتها: "ما زالت ابتسامتي موجودة رغم كل أمرٍ أمر فيه، مهما أنقص السرطان من صحتك استغل المتبقي منها ومن عافيتك". وقد تكون الرواية خياليةً بحتة ينسج الكاتب أحداثها من بنات أفكاره وخياله الخصب، ويضع بصمته من معتقدات وآراء بشكلٍ أكثر وضوحاً وسهولةً على الكاتب من الروايات الواقعية، التي يلتزم الكاتب فيها بالحدث الفعلي ولا يستطيع الخروج عنه كثيراً، وكمثال على الروايات الخيالية هنالك رواية "الخيميائي"، للكاتب باولو كويلو، فقد كانت هذه الرواية من أفضل الروايات وأكثرها مبيعاً إلى وقتنا الحالي، مليئةً بالحكم بين سطورها، وذلك على الرغم من أن تاريخ إصدارها الأول كان بعام 1988م، وهذا ما يجعل القارئ الفذّ يتساءل عن سبب نجاح بعض الروايات دون غيرها، وجواب ذلك يرتكز على عدة عناصر إن وُجدت وتحققت بأفضل شكل فستنجح الرواية وتبقى متربعة على عرش النجاح ردحاً من الزمن، ومن أهم تلك العناصر الزمان والمكان للأحداث، والعقدة وهي عنصر التشويق والإثارة في الرواية والتي كلما كانت عقدةً محبوكة ومتسلسلة بأسلوب جذاب متدرج ومترابط، غير مفكك كانت عنصراً يزيد من إقبال القراء على هذه الرواية، ويزيد من نجاحها. وعند ذكر الروايات الناجحة لا بد من ذكر أبرز الروايات الناجحة مؤخراً، فهناك رواية "موت صغير" للكاتب محمد حسن علوان والحاصلة على الجائزة العالمية للرواية العربية، والمعروفة بجائزة بوكر العربية والتي إن دلَت فإنها تدل على أهمية الرواية وعلو شأنها والاهتمام بها بشكل عالمي، وقد كانت رواية موت صغير سيرةً متخيلة لحياة المؤلف الشهير محيي الدين بن عربي منذ ولادته وحتى وفاته، وهي رواية حينما يقرؤها القارئ سيتساءل عن مدى واقعيتها، لقوة حبكتها، والسرد الخيالي الذي اتبعه الكاتب. هذا وقد اعتمد الكاتب على بعض الرسائل التاريخية الواقعية، واتخذ في طريقة كتابته للحبكة مسارين اثنين، مسار الشخصية الرئيسة والتي تروي بنفسها ما يحصل لها، وما يدور في خلجات نفسها، والمسار الآخر هو الشخصيات التي تتقاطع مع الشخصية الرئيسة بشكل مباشر أو غير مباشر، وكان للحب والعاطفة نصيب كبير في هذه الرواية، وكثيرٍ من مثيلاتها، حتى إن القارئ إذا تجول أروقة المكتبات وقلَب صفحات الروايات بين يديه يجد كثيراً منها عاطفيةً سواءً تعبر عن حزنٍ أو حب، ولهذا دلالة عميقة للمتأمل، أنها ما زادت في نوعها هذا وازدهرت إلا لوجود الإقبال الكبير عليها، وأياً ما كانت الروايات، بوليسيةً أو تاريخية، عاطفيةً أو فلسفية، فستبقى فناً وأدباً يتجدد ليمتع القراء ويعطيهم بُعداً فكرياً وخيالاً أكثر، وثقافةً أعمق.