قد يكون أول كاتب نص أدبي برتغالي برازيلي هو بيرو فاز دي كامينا، بحسب الباحثة رشا إسماعيل، وكان ظهور هذا النص في أواخر القرن السابع عشر. لكن ظهور النص البرازيلي لدى القارئ السعودي كان في تسعينات القرن العشرين، بمعنى أن الأدب البرازيلي تأخر في الظهور في الثقافة السعودية ثلاثة قرون. المراحل التي مرت بها الرواية البرازيلية في السعودية: المرحلة الأولى: مرحلة جورج آمادو أو ما قبل باولو كويلهو. ولنطلق عليها: مرحلة الإقليمية الشعبية. المرحلة الثانية: مرحلة باولو كويلهو. ولنطلق عليها: مرحلة الروحية العالمية. مرحلة الإقليمية الشعبية: لا يدرك القارئ السعودي أن جورج آمادو ينتمي إلى الكتاب الإقليميين، كتاب الشمال الشرقي البرازيلي، وهو من روائيي مدرسة باهيا الأدبية، ولكن يستطيع القارئ السعودي أن يفرق بين جورج آمادو وماركيز على سبيل المثال بأن أمادو كاتب وطني يكتب من أجل النضال الاجتماعي والسياسي للإنسان البرازيلي في باهيا. وقد يتصور بعض القراء السعوديين أن باهيا هذه منطقة ناتجة من الحلم الفانتازي، ونادراً ما يتصورون أن أجواء واقعية كأجواء البرازيل يمكن أن تكون أكثر من أجواء سحرية. فالمدهش في الرواية البرازيلية أن الإنسان الأبيض على رغم أنه السيد المسيطر تاريخياً في معظم الأحيان، إلا أنه يتقاسم بطولته مع الهندي النحاسي والزنجي الأسود، ويشاركهم الخلاسي الخليط من الزنجي والهندي، ومن هنا يتولد طعم غريب، يحمل روائح القرفة والقرنفل والإملاق المميت والتنوع العرقي، مع أن كتّاب هذا النوع هم من الطبقة المتوسطة من البيض غالباً. وعندما يطلع القارئ السعودي على ترجماتهم وعلى أصولهم البيضاء، يعتقد أنه يقرأ أدباً فانتازياً. إن الإقليمية أو النزعة البرازيلية القوية في أدب جورج آمادو من العوامل التي جعلت القارئ السعودي يتعرف على الإنسان البرازيلي باعتباره إنسان معاناة وكفاح لا يتخلى عنهما، وذلك من خلال عدد من الروايات، كبلاد الكرنفال، وباهيا، وفارس الأمل، وفتيان الرمال، ورواية زوربا البرازيلي. ومع ذلك فإن روايات آمادو يعتمد جزء كبير منها على عنصر السخرية العاطفية والبساطة المبدئية والغرائبية، باحثاً عن بطولات بسيطة تناقض البطولات الأوروبية المبنية على الفروسية والأرستقراطية المبدئية الجوفاء، كما في رواية عودة البحار، والرجل الذي مات مرتين. المرحلة الثانية: الروحانية العالمية: بنهاية القرن العشرين، بدأت الواقعية السحرية في الانحسار، وانتشرت رواية الأسلوب الغنائي على يد أحلام مستغانمي، وحدثت طفرة روائية في القراءة والكتابة، وأصبح القارئ يكرر قراءة هذين النوعين حد الامتلاء. ما جعله يصل إلى حد من الرتابة القانطة. عندئذٍ ظهرت ثلاثة أعمال صادمة لكويلهو: الخيميائي. وحاج كومبوستيلا، وفيرونيكا تقرر الموت. وتسيّدت رواية الخيميائي قائمة المبيعات في السعودية. وتحدث عنها روائيون، مثل يوسف المحيميد، وأدرجها محمد المزيني في روايته عرق بلدي. واصفاً إياها بمفتاح الخلاص والنجاة للبطل يعقوب. ودخل كويلهو إلى قلب القارئ العادي والمختص على حد سواء، حتى إن الذين لم يعجبوا بفنية كتابته كرواية صنفوه على أنه كاتب جيد وحكيم، أو على أنه معالج روحي. وأخذت ذاكرتنا القرائية تستعيد كتابات جبران، وأثرها الغامض في العالم. وفي ما يأتي نحاول تعداد عدد من الأسباب، التي جعلت القارئ السعودي ينخرط في تيار كويلهو، بدءاً من رواية الخيميائي. فمن بينها: أن قصة رواية الخيميائي مأخوذة من كتاب ألف ليلة وليلة العربي، وتتحدث عن خفايا القدر التي لا نملك لها تفسيراً. وكتب الحزيمي ورقة حول الرواية، وأعاد أصلها إلى كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي. كما أن هذه القصة عرفت أيضاً في الأساطير الشعبية السعودية باسم قصة"ابن رواف"كما يؤكده الحزيمي. إضافة إلى أن كويلهو يعولم المسعى الروحي، ويتوقع أن المئة سنة المقبلة ستعيش نزعة إنسانية تسير بالاتجاه إلى الروحانيات، وهو يؤمن بالأرواح والعلامات وتأثير القدر، ويبسط العلاقة بين الإنسان والعالم، ويهدم اليوتوبيات الحديثة بيوتوبيا دينية روحية بديلة، فهو يهاجم اليوتوبيا الماركسية واليوتوبيا الرأسمالية، ويوتوبيا المحافظين أيضاً، وهذه الرسائل الرمزية الموجودة في كتاباته كانت من أهم العوامل الجاذبة لتسيد رواياته مبيعات الرواية اللاتينية في السعودية لما يقارب عقداً من الزمن. ويرسم كويلهو صورة العودة إلى الحياة بعد مغادرتها، وهذا ما تؤكده روايته فيرونيكا تقرر الموت، التي أصبحت من أشد الروايات ذيوعاً لدى القارئات السعوديات، وكذلك روايته حاج كومبوستيلا تحكي عنه كيف أضاع سيفه، ومر بتجارب طقسية وروحية غريبة حتى اكتشف ذاته ووجد سيفه. وهذا ما يساعد القارئ في مشاركته الحلم بالوعد المقبل. وقد تعلق هذا الكاتب بالتراث العربي الأندلسي، واستخدم الحكمة الصوفية والحكاية العربية والروح العربية الصوفية، باعتبارها رموزاً لرسائله التي يقدمها، ولهذا فإن كويلهو: على رغم كونه ناطقاً بالبرتغالية، وعلى رغم كون الثقافة البرتغالية تشعر بالغيرة كثيراً من الثقافة الإسبانية، مع ذلك فهو لا يستحيي من تسمية نفسه بالبرازيلي الاسباني.