قضى يونس تلك الليلة بين أبطال قصصه وروايته الكثيرة، الكل يريد أن يحاسبه على تلك النهايات الحزينة البائسة، الكل يريد أن يحاكمه بسبب كل تلك التعاسة التي ضخها لسنوات طويلة في حياة أبطال قصصه الخياليين، وكان عليه أن يجيب ويبرر أسباب تلك التعاسة! قال صاحبي: هل تلك القصة حقيقية؟! قلت بهدوء: بالطبع لا، إنها قصة ألفتها ونشرتها في عام 2006 م في أحد المنتديات الأدبية الإلكترونية، إبان نهضة المنتديات آنذاك؟ قال غاضباً: ويحك أتسخر مني؟! قلت بذات الهدوء: معاذ الله أن أكون من الساخرين، إنما ذكرت لك تلك القصة لأن السؤال الحقيقي الذي يجب أن تسألني إياه ليس «هل يعيش الكاتب مع نصوصه؟» إنما هو السؤال الذي سأله (عمر) ليونس حين قال: «طالما أنك كاتب، لماذا تصر على جعل الخيال بائساً أيضاً؟! كواقعنا المرير؟ لماذا لا تلون الخيال بالفرح؟» نعم هذا هو السؤال الذي يفترض بك أن تسأله، إن ما نعانيه حقاً في عالمنا العربي هو إصرار الكُتاب على نقل الواقع وتصويره بكل ما فيه من بؤس وتعاسة، بل إن البعض يزيد ويبالغ في رسم ملامح الحزن والكآبة على كتابته، وكأن واقعاً واحداً بائساً لا يكفي! حين سألوا (العقاد) لماذا تقرأ أجاب قائلاً «لأن حياة واحدة لا تكفيني!» فلماذا مازال الكاتب العربي مصراً على أن يجعل أن ينقل ذات الواقع الحزين، فهل مفهوم الواقعية في الكتابة مازال يحاصرنا للدرجة التي جعلتنا غير قادرين على رسم حيوات أخرى أكثر سعادة ليستمتع من يقرأ لنا فيما بعد؟! فيعيش معنا حياة أكثر سعادة من حياته وواقعه! هنا قال صاحبي: بالفعل، إنك حين تقرأ كتاباً عربياً تستطيع أن تستبين ما فيه من عنوانه، وربما يصور لك أنه لا يوجد على هذه الأرض شخص واحد سعيد لشدة ما نقرأ من الحزن والتعاسة! يقول الروائي الجزائري مفتي بشير: «الرواية العربية تعيش مرحلة الشك والتساؤلات في مقاربتها للواقع البركاني المتفجر بالمخاوف والأسئلة في ظل عصر قلق ومتجهم الملامح!» وهذا تأكيد صريح على أن الكاتب العربي مازال يعيش في ثورة (الواقع) وغير قادر على الانتقال الحر من واقعه المؤلم إلى الخيال الحالم! أي نعم أن الكاتب يقدم على فعل الكتابة مستحضراً وعيه وإدراكه وثقافته وخبراته الماضية، ورؤاه المستقبلية إلا أن الكاتب الذي لا يستطيع أن يعبر بالقارئ ويحلق به إلى حد ملامسة الحلم الذي قد يحدث وقد لا يحدث فإن كتابته تظل ناقصة، ذلك لأنه افتقد لأهم أداة من أدواته الكتابية التي يعتمد عليها في نسج الأحداث وربطها ببعضها البعض وهي الخيال. إنك حين تقرأ مثلاً للكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلو، فإنك تظل منجذباً للكتاب منذ الوهلة الأولى التي طالعت فيها العنوان في ذات نزهة مكتبية وحتى تختتم الرواية، وذلك نظراً لما تحمله الرواية من ضخ خيالي فيه مقاربة كبيرة للواقع، دون أن يحصل أي تشويه للواقع ودون أن يلقي الكاتب برأيه في وصف هذا الواقع، ولعل رواية الخيميائي ورواية الرابح يبقى وحيداً كانتا خير شاهد على ما أقول، الشيء ذاته يحدث حين تقرأ روايات غابرييل غارسيا ماركيز، من خلال روايته (الحب في زمن الكوليرا) وروايته الشهيرة (مائة عام من العزلة) كذلك روايات الراحل غازي القصيبي، الذي صور الخيال بمقاربة واقعية في عدد من رواياته كالعصفورية ورواية (7) والزهايمر والجنية، وهو يشكل نموذجاً عربياً مستقلاً لا يشبه غيره في تاريخ الرواية العربية، بل وتاريخ الكتابة بشكل عام. - عادل بن مبارك الدوسري البريد الإلكتروني: [email protected]