صدر مؤخراً عن مركز البحوث والتواصل المعرفي، الطبعة الثالثة لكتاب "عرب وسط آسيا في أفغانستان: التحوّل في نظام الرعي البدوي" تأليف البروفسور توماس بارفيلد ترجمة الأستاذ محمد بن عودة المحيميد، وهو في الأساس أطروحة تقدم بها لنيل درجة الدكتوراه بجامعة هارفرد عام 1978م. وتناولت الدراسة مجموعة من ذوي الأصول العربية، التي يعتقد أنها من السلالات العربية الأولى التي قدمت بالدين الإسلامي إلى وسط آسيا، ومنهم من يعتقد أنهم من العرب الذين جاؤوا مع تيمورلنك إلى وسط آسيا بعد أن استولى على دمشق. ولا يزال كثير منهم يرحلون مسافات طويلة طلباً للكلأ، مع أنهم مثل غيرهم من سكان منطقة قطغن، بدؤوا بتنويع أعمالهم بعد التنمية التي شملت منطقتهم، حيث اشتغلوا بزراعة القطن والاستثمار في حواضر تلك المنطقة، ولكنهم لم يتحلوا أبداً عن امتهان الرعي. ولا يقصر الباحث دراسته على هذه المجموعة الموجودة في أفغانستان، ولو أنها المحور الرئيس لدراسته، فهو يعود إلى الخلف ليلقي الضوء على تاريخ هذه المجموعة، والهجرات التي قامت بها. ويحدثنا عن تاريخ العرب في وسط آسيا عموماً، ويستعرض الدراسات والإحصاءات المتعلقة بها، وتتميز الدراسة بمتانة البحث وتكامله، فيستعرض منهجين متباينين إن لم يكونا متناقضين في نظام الرعي البدوي. ويقول مترجم الكتاب الأستاذ محمد بن عودة المحيميد عن هذا الإصدار: "بعد نفاد نسخ الكتاب، عُدتُ لقراءة نص الكتاب باللغة الإنجليزية، فكانت دهشتي كأنني أطلع عليه لأول مرة وكأنني لم أكابد نقله إلى اللغة العربية، لما تضمنه من جدة وأصالة، فعزمت على أن أسعى إلى إعادة نشره مرة أخرى، وقد لمست من إدارة مركز الملك فيصل أن ليس لديهم الرغبة في إعادة نشره بطبعة ثالثة، فراسلت الناشر مطابع جامعة تكساس، أوستن، بصفة شخصية بغية الحصول على إذن بإعادة نشره في مركز البحوث والتواصل المعرفي، فأفادوا بأن حقوق النشر آلت إلى المؤلف، فكتبت للبروفسور توماس بارفليد طالباً منه إذن إعادة نشر الكتاب فوافق على الفور وزودني بصور فوتوغرافية خاصة بتلك المناطق وأهلها لم تضمّن في الكتاب الأصلي، واقترح تضمينها في نص الكتاب، فاستفدت منها بصورة كبيرة. وقد قرأت الكتاب مراتٍ عدةً، وأجريت كثيراً من التعديلات التحسينية، كأن تكون تعديلاً في عبارة أو سياق، واضطررت إلى إعادة ترجمة بعض الفقرات أحسست أنها أخلت بالمعنى الأصلي الذي أراده المؤلف، كما وضعت بعض التعليقات في بعض الحواشي، وكان لقراءة الدكتور يحيى بن جنيد أثر كبير في اكتمال النص وجماله. يلاحظ متانة منهج الباحث وتكامله في دراسته، حيث استعرض منهجين متباينين إن لم يكونا متناقضين في نظام الرعي البدوي، هما نموذج فريدرك بارث في كتابه "بدو جنوب فارس" (1961م) حيث حقق البدو توازناً اقتصادياً، واجتماعيّاً، وديموغرافيّاً من طريق تسريب كل من البدو الأغنياء والفقراء إلى المجتمع".