يقدم توماس بارفيلد في مؤلفه (عرب وسط آسيا في أفغانستان) تجربة ذات معنى فعلي للبحث العلمي الدقيق، إذ قدم موضوعاً شيقاً بدراسة أقلية عربية في بلد لا يتوقع وجود مثل هذه الأقلية فيه في هذا العصر، أما الباحث نفسه (بارفيلد) فقد قدم أنموذجاً يحتذى به في صفة الباحث إذ قدم من أقصى الدنيا إلى أرض الدراسة (أفغانستان) ليعايش بنفسه واقع دراسته ويقف عليها عملياً من خلال معايشته لسكان المنطقة وهو أكثر ما يشدك لهذه الدراسة القيمة. ودراسة بارفيلد تقدم نمط الرسائل الجامعية الحقيقية وما يجب أن تكون عليه من حركة الباحث وتنقله ونقله مباشرة ومعاينته والوقوف على مكان الدراسة ومصادرها. واقتطف من حديث المؤلف من تجربته الغنية قوله: (وصلت إلى أفغانستان في يناير 1975م وفي ذهني هذه المشكلة الأنثروبولوجية وكنت قد قمت قبل ذلك برحلتين استكشافيتين في صيفي 1973م و1974م وعلى أنها لم توفر أي بيانات أثنوغرافية إلا أنها مكنتاني من القيام باتصالات ثبت في النهاية أنها في غاية النفع. وبمساعدة صديق أفغاني أخذت منطقة إمام صاحب في محافظة مُتذز بسبب إتاحتها فرصاً مؤهلة لنجاح البحث.ويتابع: (في اليوم التالي قدمت لقائد عربي وصل راكباً دراجة نارية وتابع ذلك مؤشراً على أن الأحوال لم تكن كما تخيلتها، ثم سكنت خلال ربيع عام 1975م بمخيم خاص بالرعاة يملكه ذلك الرجل العربي، وقد خاب أملي في ألا أكون مع مجموعة عائلات. إلا أنني في الأخير اكتشفت بأن مخيمات الرعي هو موجة المستقبل، وبأن هناك مجموعة أسر تشتغل بالرعي أقل مما كان في الماضي. لقد تعلمت الكثير عن الأغنام وكان بحوزتنا دراجة نارية تحت تصرفنا. ووجدت أن لغتي الفارسية تتحسن بشكل سريع حيث إنني كنت أعمل منفرداً). وسوف أتابع إن شاء الله الأسبوع القادم الحديث عن هذا الكتاب.