على الرغم من معاناة اللبنانيين خلال السنوات الأخيرة ومحاولة الدول الصديقة للبنان انتشاله من أزماته الاقتصادية والدبلوماسية، تستمر فضائح المسؤولين اللبنانيين بالتكشّف وآخرها فضيحة تورّط وزير الخارجية اللبناني شربل وهبة، المنتمي للتيار الوطني الحر بالعمل مع جهة معاقبة أميركياً بسبب الضلوع بنشاطات متعلقة بالترويج الدولي للمخدّرات. ووفقاً للبيانات المتوفرة والمتاحة للعامة فإن وزير الخارجية وهبة هو عضو في مجلس إدارة شركة MFAA Holdings Limited المرتبطة بنائب الرئيس الفنزويلي، سوري الأصل، طارق العيسمي وهو أحد المدرجين في قوائم المطلوبين لواشنطن إلى جانب سوريين ولبنانيين آخرين مرتبطين بنفس الخلية بتهمة الاتجار بالمخدرات عبر نشاطات عابرة للحدود. وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC) قد عاقب في العام 2017 المواطن الفنزويلي طارق زيدان العيسمي مداح بسبب مسؤوليته عن تهريب المخدرات وتقديم المساعدة المادية أو الدعم المالي أو الأمني لأنشطة تهريب المخدرات الدولية، حيث قدّمت الشركة بحسب بيانات الخزانة الأميركية خدمات حماية زعماء عصابات المخدّرات وتبييض أموالهم في مختلف دول العالم بالإضافة إلى نقل المخدرات وبيعها. وتشير بيانات الشركة لوجود وزير الخارجية اللبناني وهبة في المجلس الاستشاري للشركة وهو المجلس المسؤول عن مراقبة كل الأصول الداخلة والخارجة إلى الشركة المعاقبة. وكان شربل وهبة سفيراً للبنان لدى فنزويلا بين عاميْ 2007 و2012 وهي الفترة التي شهدت فيها شركة "طارق العيسمي" المعاقبة أميركاً أوج نشاطاتها المشبوهة. وأكدّت وزارة الخزانة الأميركية في العام 2017 صحة تقارير نشرتها "نيويورك تايمز" تفيد بمسؤولية الشركة عن نقل 1000 كيلوغرام من المخدّرات التي كانت في طريقها إلى المكسيك والولايات المتحدة. ويقول جيم هانسون، رئيس معهد الدراسات الأمنية الأميركي وخبير العلاقات الدولية لجريدة الرياض، هناك تزاوج وعمل وثيق بين جهات حكومية في لبنان وحزب الله في إطار النشاط الدولي المرتبط بتجارة المخدّرات وتقديم الخدمات الأمنية وخدمات النقل والترانزيت لعصابات المخدرات من أميركا اللاتينية إلى لبنان، وأشخاص مثل وهبة يلعبون دورا محوريا في تقديم الغطاء الدولي والسياسي والدبلوماسي لحماية حزب الله الذي يعمل على الخطوط الأمامية مع العصابات الدولية. وأضاف: صعّد حزب الله وحلفاؤه في السنوات الأخيرة من انخراطهم في النشاطات الممنوعة دولياً بسبب تعمّق الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان، وهذا هو التفسير الوحيد لوجود بلد مفلس ويعيش ضائقة اقتصادية خانقة بينما يعتبر زعماؤه السياسيون من أصحاب أكبر الثروات الشخصية على مستوى العالم. ويرى هانسون أن النظام اللبناني قائم على التزاوج بين السلاح الطائفي والسلطة الفاسدة التي تستخدم المناصب كممتلكات شخصية للإثراء وجمع النفوذ، فهيكلية تعيين الوزراء في لبنان وتوزيع المناصب قائمة على مبدأ المحاصصة التي لم تعد على أساس الطائفة وحسب بل على أساس مدى رضا زعماء العصابة الحاملة للسلاح والحاكمة للبنان عن أداء هؤلاء الأشخاص وقدراتهم على دعم النشاطات المشبوهة لحزب الله. مضيفاً، من المهم الإشارة إلى ما يعنيه وجود اسم مسؤول لبناني كبير على قائمة مسؤولي المجلس الاستشاري لشركة تسهل نقل المخدّرات، فوجود أسماء نافذة ومقرّبة من الحكومة اللبنانية وتتمتّع بحصانة دبلوماسية يسهّل الأعمال غير المشروعة التي تقوم بها مثل هذه الشركات، وهو أسلوب استخدمته عدة أنظمة على غرار قيام الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي، المقيم في فيينا، بالتخطيط لتنفيذ هجوم إرهابي في باريس ونقل الأسلحة والمتفجّرات إلى أوروبا عبر استغلال منصبه. مردفاً، كان هناك محاولة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للتعامل مع الملف اللبناني ولكن فشلت أمام تعقيد الملف اللبناني وتعميم حالة وهبة على كل المستويات الحكومية في لبنان حيث تتورط الكثير من الأسماء بملفات مشبوهة تجر لبنان إلى القاع وهذا ما يجعل الملف اللبناني أيضاً بعيدا عن الأولويات الأميركية والأوروبية ما يعمّق عزلة اللبنانيين. ويرى هانسون أن حكام لبنان لهم مصلحة في استمرار الوضع الحالي حيث بات لبنان مرتعاً للفساد والإرهاب وتهريب السلاح والمخدّرات، ففي نهاية المطاف هناك ثلة مستفيدة بشكل شخصي من هذا الوضع في ظل غياب سيادة الدولة وعدم وجود رجل دولة قوي قادر على محاسبة الفاسدين ومن يطعن بالقوانين، خاصة أن حزب الله مطبق بسلاحه على صدور اللبنانيين هو الحاكم الفعلي الوحيد للبنان وبإمكانه قمع أي معترض بقوة السلاح والاغتيال، لذلك نرى أمثال وهبة وهو واحد من جبناء وفاسدين كثر يخونون الأمانة والمنصب ويختارون الوقوف إلى جانب الحاكم الفعلي "حزب الله" أملاً بحصة من الكعكة. من ناحية أخرى أكد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع بأن وزير خارجية لبنان في حكومة تصريف الأعمال المستقيلة شربل وهبة الذي رمى في مواقفه اتجاه المملكة ودول الخليج العربي مساء أول من أمس حجارة في البئر الذي شرب منها اللبنانيون طويلا وما زالوا يشربون منه كثيرا بمواقف تاريخية خاصة من المملكة العربية السعودية التي وقفت وساندت ودعمت لبنان بكافة المجالات، وأضاف "كان يفترض بالوزير وهبة أن يكون وزير خارجية لبنان واللبنانيين فانتهى به الأمر بوزير خارجية "حزب الله"، وهذا في الشكل، وأما في محتوى مواقفه فقد وقع أقله في مغالطتين كبيرتين". وقال جعجع إن المغالطة الأولى أن من أتى بتنظيم "داعش" هي إيران ومعها النظام السوري، حيث يعرف القاصي والداني أن قيادات داعش الأساسية أطلقت من سجون نوري المالكي وبشار الأسد، وهذه كانت نواة "داعش" الفعلية، كما لا يخفى على أحد دور إيران في مساعدة "داعش" و"القاعدة" التي سبقتها، والجميع يعرف أين تقطن عائلة ابن لادن وقيادات أخرى من "القاعدة" و"داعش" حتى الساعة، وما تقدّم يشكل جزءا من المعلومات المكشوفة لا السرية والمعروفة من أصحاب الاختصاص ووسائل إعلام غربية وعربية عديدة، وعلاوة على كل ذلك فإن العدو الأول ل"داعش" وأخواتها هي القيادة السعودية والقيادات الإسلامية الأخرى، فيما المستفيد من "داعش" هو المحور الذي ينتمي إليه وهبة. ويضيف " أما المغالطة الثانية تكمن في أن يسمح لنفسه بتقمّص دور قاض بغفلة من الزمن بدلا من دور وزير خارجية، فقرر أن يصدر أحاكمه وكأنه أجرى تحقيقاته واستجمع معلوماته واطلع على حيثيات الملف وأبعاده، وقد سها عن باله بأنه وزير خارجية وليس محللا ممانعا"، وشدد جعجع على أن ما قام به الوزير وهبة كان بمثابة هجوم غير مبرر إطلاقا وغير مقبول بتاتا على مجموعة دول عربية وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، التي كانت في كل الأوقات مساعدا وظهيرا للبنان، مذكرا في هذا المجال بثلاث وقائع أساسية، الواقعة الأولى أن المملكة العربية السعودية هي من دعم الرئيس الشهيد بشير الجميل للوصول إلى رئاسة الجمهورية، ولو لم تغتاله يد الغدر الأسدية لكان تغيّر مصير لبنان بأكمله، ولم نكن لنعيش في جهنّم الذي نعيشه اليوم بسبب التحالف الجهنمي الذي يحكم لبنان، والذي يُعد الوزير وهبة عنصرا من عناصره، فيما الواقعة الثانية أنه بعد حرب تموز 2006 هبّت السعودية ودول الخليج لمساعدة لبنان وساهموا بمليارات الدولارات من أجل إعادة إعمار ما هدمته الحرب لم تأخذ الدولة اللبنانية قراراً بها بل فرضت عليها فرضا، أما الواقعة الثالثة بحسب جعجع أن المملكة ودول الخليج أيضا قدموا للبنان المليارات من الدولارات في مشاريع بنى تحتية وإنمائية مختلفة، فضلا عن الودائع في مصرف لبنان المركزي، ناهيك عن نحو 400 ألف لبناني ما زالوا حتى اللحظة يعملون في السعودية ودول الخليج، إن ما أقدم عليه الوزير وهبة البارحة هو جريمة بحق لبنان واللبنانيين خصوصا في ظل هذا الظرف العصيب، لذا إن أقلّ المطلوب من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الإسراع اليوم قبل الغد في استبدال وهبة وتكليف وزير خارجية سواه لإدارة الشؤون الخارجية إلى حين تشكيل حكومة جديدة أو إجراء الانتخابات النيابية التي وحدها الكفيلة باستبدال التحالف القائم بأكثرية مختلفة تنتخب رئيسا مختلفا وتعطي الثقة لحكومة إنقاذ مختلفة أصبح لبنان بأمس الحاجة إليها، وقال جعجع نشكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- على مواقفهم مع المملكة، والقيادة السعودية ألا تحمِّل الشعب اللبناني مسؤولية ما قاله زورا وزير غير مسؤول، بل أن تكون -كما كانت دائما- سندا لهذا الشعب الذي عانى وما زال يعاني من سلطة خطفت البلد وشعبه بغفلة من الزمن، وبفعل الفرض بقوة السلاح، وأساءت لدوره وعلاقاته الخارجية.