اشتهرت بعض الأبيات الشعرية شهرة واسعة، ورغم شهرتها إلا أن قائليها لم ينالوا نصيباً كبيراً من هذه الشهرة حيث عاش بعضهم مغموراً ومات دون أن يحظى بشيء من الخلود كما حظيت أبياته التي تداولها الناس في أحاديثهم وخطبهم وأمثالهم وأغانيهم.. سنذكر بعضها اليوم. * من الأبيات الخالدة التي مازال الناس يتداولونها حتى يومنا هذا ويضرب بها المثل في من ينكر إحسان من أحسن إليه، ويجازيه بالإحسان إساءةً ما قاله معن بن أوس المزني ضمن قصيدة طويلة: أعلّمهُ الرّماية كلّ يومٍ فلما اشتدّ ساعده رماني وكم علّمتُه نظْمَ القوافي فلما قال قافيةً هجاني * المقولة الشهيرة التي ذهبت مثلاً بين الناس وهي «كلّ إناءٍ بالذي فيه يَنْضَحُ» هي عجز بيت للشاعر الحيص بيص، والحيص بيص لقبه لأنه رأى قوماً في اضطراب من شيء بلغهم فقال: ما بال القوم في حيص بيص، أي في شدة وضيق، واسمه أبو الفوارس سعد بن محمد بن الصيفي التميمي، من أهل بغداد كان يلبس زي أمراء البادية ويتقلد سيفاً ولا ينطق بغير الفصحى، وعجز البيت المذكور لبيت من ثلاثة أبيات قال فيها: مَلكْنا فكان العَفْو منا سَجيّةً فلما ملكْتمْ سال بالدم أبْطحُ وحلّلْتُمُ قتلَ الأسارى وطالما غدونا عن الأسرى نعفّ ونصفح فحسبُكُمُ هذا التّفاوت بيننا وكلّ إناءٍ بالذي فيه ينْضحُ * كما اشتهر البيتان اللذان أنشدهما سابق البربري، وهو شاعر وقاضٍ عاش في زمن الخليفة عمر بن عبدالعزيز، حتى عُدا من الحكم التي يتداولها الناس حتى اليوم، وهذان البيتان هما: قد ينفع الأدب الأحداثَ في صغر وليس ينفعهم في بعده الأدبُ إن الغصونَ إذا عدّلتها اعتدلت ولا يلينُ إذا قوّمتَهُ الخشبُ * يردد الناس في زمننا هذا «ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ» وهذا عجز بيت من قصيدة طويلة للشاعر الحسين بن علي الأصبهاني الطغرائي، وهو شاعر ووزير، ومن رجال السلطان مسعود بن محمد السلجوقي (صاحب الموصل) الذي ولاه وزارته، ثم اقتتل السلطان مسعود وأخ له اسمه السلطان محمود فظفر محمود وقبض على رجال مسعود ومن ضمنهم الطغرائي، فأراد قتله ثم خاف عاقبة النقمة عليه، لما كان الطغرائي مشهوراً به من العلم والفضل، فأوعز إلى من أشاع اتهامه بالإلحاد والزندقة فتناقل الناس ذلك، فاتخذ السلطان محمود حجة لقتله، فأنشد الطغرائي قصيدته ومنها: أصالةُ الرأي صانتْني عن الخَطَلِ وحِليةُ الفضلِ زانتني لدى العَطَلِ ما كنتُ أُوثِرُ أن يمتدّ بي زمني حتى أرى دولةَ الأوغاد والسّفَلِ لم أرتضِ العيشَ والأيامُ مقبلةٌ فكيف أرضَى وقد ولَّتْ على عَجَلِ أعلّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ * أما عمران بن حطان السدوسي -من شعراء صدر الإسلام- فأنشد قصيدته التي عيّر بها الحجاج عند هروبه من غزالة الشيبانية لما دخلت عليه هي وشبيب بن شبة بالكوفة، فتحصن الحجاج منها وأغلق قصره عليه.. فكتب إليه عمران بن حطان: أسد علي في الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر هلا برزت إلى غزالة في الوغى بل كان قلبك في جناحي طائر * عدي بن زيد العبادي شاعر من القرن الخامس الميلادي، كان من دهاة العرب في الجاهلية، أنشد قصيدة ردد الناس بيتاً واحداً منها هو: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي