بين أريتريا والمدينة: عندما يحل العيد وأنت ملتزم بأداء عملك أربع وعشرين ساعة في اليوم سبعة أيام في الأسبوع فإن ذلك لا يدع مجالا للاحتفال بمظاهر العيد، وستكون سعيدا إن وجدت الوقت لزيارة قريب أو صديق. ولكن ذلك لايمنعني من الجلوس قبالة "التلفاز" لمتابعة بعض البرامج وخلال تنقلي بين القنوات مررت بقناة أريتريا وكان فيها نساء ورجال بألوان زاهية يتراقصون على أنغام أفريقية أكاد أجزم أن عمرها آلاف السنين. هذا المشهد نقلني إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وفد إليها أقوام من الحبشة لم يمنعهم كونهم في المدينة أن يمارسوا ما اعتادوا عليه من الرقص والغناء. وقد وثقت تلك الاحتفالية في حديث من أحاديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم. مرّ صلى الله عليه وسلم على أصحاب الدِّرِكلة، فقال: جدوا يا بني أرفدة حتى يعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقرهم على مافعلوا فقط بل طلب منهم المزيد! الوعظ لايبرر خطيئة الكذب: سأتجاوز الأفراد والمؤشرات، وأعرض ماسمعت وقد ظهر في لغته التنطع تحيط به تكبيرات من حوله ممن هالهم الحديث. وسترد تعليقات بين أفواس. يقول تعلمون أنه بعد انقطاع الأنبياء انقطعت النبوة إلا من باب واحد وهي الرؤية الصالحة. ثم تحدث عن علي رضي الله عنه. يقول المتنطع: فقد طرق بابه رجل صالح "انتبهوا إلى كلمة صالح ومن الذي يعطي تلك الصفة ويمنعها؟!" فقال ياأمير المؤمنين عندما حكمتم يابني هاشم أحسنتم إلى أبناء عمومتكم من بني أمية وقلتم لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء. أما عندما حكموا فقد أساؤوا إليكم وقتلوا أبناءكم كالحسن والحسين "مع العلم أن عليّاً قتل قبل الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين" فكيف ذلك. فقال له علي: اذهب إلى الشاعر حيص بيص فقد يجيبك على سؤالك بما نظمه من شعر. ذهب الرجل الصالح إلى الشاعر حيص بيص فأخبره بما جرى بينه وبين أمير المؤمنين. فذهل حيص بيص وكاد أن يقع من هول المفاجأة وقام يقسم أن أحدا لم يعلم بما نظم من شعر "وفي هذا إشارة إلى رؤية الإمام علي رضي الله عنه". ثم قال: حكمنا فكان العدل من سجية فلما حكمتم سال بالدم أبطح وحسبكمو هذا التفاضل بيننا فكل إناء بالذي فيه ينضح "وهنا علت تكبيرات الجمهور الذي يظهر أنه عطل عقله وأسلم عواطفه لشخص يشكلها حتى وإن كانت تعارض المنطق والتاريخ والعقل بل والدين الذ يفترض الصدق والأمانة في المسلم. إن هناك حوادث كثيرة على شاكلة صاحبنا وقد ساهمت بلا شك في تشويه شخصيتنا والعبث بأولوياتنا وخلق مسخ مشوهة توزع النار والجنة وعقاب الله وتقتل باسم الاسلام".