هاتان الكلمتان هما من لسان العرب وفصاحته، وقد نكون نسينا أو تناسينا فصاحة اللسان مع التقدم التقني في هذا الزمان، ولكن تظل لغتنا العربية لغة القرآن هي الأساس لثقافتنا وحوارنا، والذي يجب أن نتعلمه ونعلمه لكل من حولنا، وعندما نقلب في التراث الأدبي القديم، نجد من الموروث ما يشبع الشغف، ويبهر العقل بلاغة وفصاحة، على مر التاريخ والعصور حتى يومنا هذا. وقد عرف العرب قديمًا ووسموا بالشعر بمختلف بحوره ومذاهبه وأنواعه، حتى أصبح مرتبطًا بكل عصر وزمان ومكان ودولة، يتفاخرون ويتباهون ويتنافسون به بين الأمم والخلائق، حتى تصدر المجالس والدواوين وقصور الخلفاء والأمراء وتم حفظه وتناقله حتى وصل إلينا، لتكون تلك الأبيات الشعرية المنظومة هي المدارس اللغوية في الشعر والنثر الذي يستسقى منها الجميع. حيص بيص تعني باللغة الضِيق والشدّة، في الحيرة، وفي الاختلاط من الأمر الذي يصعب الخروج منه، ومصدرها من كلمة حاص وتعني المهرب، وذكرت بالقران الكريم لأكثر من مرة، قال تعالى (وضلَّ عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص). ومن أبرز الشعراء في العصر العباسي والذي كان ملقب بحيص بيص هو أبو الفوارس، سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي، الملقب أيضًا بشهاب الدين، أديب وشاعر وفقيه مشهور من أهل بغداد، كان من أعلم الناس بأخبار العرب ولغاتهم وأشعارهم، ولقب بحيص بيص لأنه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة وأمر شديد، فقال: (ما للناس في حيص بيص) فبقي عليه هذا اللقب، وكان لا يخاطب أحداً إلا بالكلام العربي وكان يلبس زي العرب ويتقلد سيفاً، ومن أشعاره: وراءكِ أقوالَ الوشاة الفواجر ودونك أحوال الغرام المخامرِ فلولا ولوعٌ منك بالصَّدِّ ما سعوا ولولا الهوى لم انْتدبْ للمعاذرِ تَزاورَ نَومي أن هَجرتِ وطالما صفا صفوَ جفنٍ إذ وصلت وناظر ويقول: كيف الرُّقادُ ولاتَ حين رُقادِ رَحَلَ الشَّبابُ ولم أفُزْ بمرادِ هِمَمٌ عن الغرض المُحاوَل بُدِّلتْ أمَلاً فَبدَّلَتِ الكَرى بسُهادِ وبقي من القول أننا الآن في زمن يكثر فيه الحيص بيص، نسأل الله أن يفرج هذه الغمة عن بلادنا وعن المسلمين أجمعين، ونعود إلى طبيعتنا ولغتنا التي نعتز ونعلو بها بين الأمم، ونرجو من الله أن يبعد عنا الحيص والبيص دائمًا.