لاميّة العجم .. أصالة الرأي صانتني عن الخطل لأبي إسماعيل مؤيد الدين الحسين بن علي بن محمد بن عبدالصمد الطغرائي الأصبهاني المولود سنة 453 وقيل 454 والمتوفى سنة 514 وقيل 515 من الهجرة وهو العميد فخر الكتاب، المنشئ الشاعر المعروف بالطغرائي صاحب ديوان الإنشاء للسلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي ، ثم اتصل بابنه السلطان مسعود محمد السلجوقي صاحب الموصل ، وولي الوزارة بأربل مدة ، ثم أقتتل السلطان مسعود وأخٍ له إسمه السلطان محمود ، فظفر محمود وقبض على رجال مسعود وفي جملتهم الطغرائي، فأراد قتله ثم خاف عاقبة النقمة عليه ، لما كان الطغرائي مشهوراً به من العلم والفضل ، فأوعز إلى من أشاع إتهامهُ بالإلحاد والزندقة ، فتناقل الناس ذلك ، فأتخذ السلطان محمود حجة فقتلة ، ونسبة الطغرائي إلى كتابة الطغراء ، وللمؤرخين ثناء عليه كثير ، وكان من أفراد الدهر وحامل لواء النظم والنثر، وكان أفصح الفصحاء وأفضل الفضلاء وأمثل العلماء، الّّف كتاب: (مفاتيح الرحمة ومصابيح الحكمة) و(حقائق الاستشهادات في الكيميا) وله ديوان شعر جيّد، ومن محاسن شعره قصيدته المعروفة بلامية العجم التي أوردها له القاضي إبن خلكان وقد ألفها ببغداد في سنة خمس وخمسمائة يصف حاله ويشكو زمانه، ويشرح فيها أحواله وأموره ، قتل بباب همذان مأسوراً، وقال الذهبي قتل في المصاف بين مسعود وأخيه محمودوقد جاوز الستين من عمرة ، وفي شعرهِ ما يدل على بلوغهِ السابعة والخمسين من عمرة ، إذ قال وقد رزق بمولود : هذا الصغير الذي وافى على كبرٍ=أقر عيني ولكن زاد في الفكري سبعٌ وخمسون لو مرت على حجرٍ=لبان تأثيرها في ذلك الحجرٍ يقول الطغرائي في \"لامية العجم\" : أصالة الرأي صانتني عن الخطل=وحلية الفضل زانتني لدى العطل مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع=والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل فيم الإقامة بالزوراء لا سكنى بها=ولا ناقتي فيها ولا جملي ناء عن الأهل صفر الكف منفرد=كالسيف عرّي متناه عن الخلل فلا صديق إليه مشتكى حزني=ولا أنيس إليه منتهى جذلي طال اغترابي حتى حنّ راحلتي=ورحلها وقرى العسّالة الذبل وضجّ من لغب نضوي وعجّ لما=يلقى ركابي ولجّ الركب في عذلي أريد بسطة كف أستعين بها=على قضاء حقوق للعلا قبلي والدهر يعكس آمالي ويقنعني=من الغنيمة بعد الكدّ بالقفل وذي شطاط كصدر الرمح معتقل=بمثله غير هيّاب ولا وجل حلو الفكاهة مرّ الجد قد مزجت=بشدّة البأس منه رقّة الغزل طردت سرح الكرى عن ورد مقلته=والليل أغرى سوام النوم بالمقل والركب ميل على الأكوان من طرب=صاح وآخر من خمر الهوى ثمل فقلت أدعوك للجلّى لتنصرني=وأنت تخذلني في الحادث الجلل تنام عينيّ وعين النجم ساهرة=وتستحيل وصبغ الليل لم يحل فهل تعين على غيّ هممت به=والغيّ يزجر أحياناً عن الفشل إني أريد طروق الحي من إضم=وقد حماه رماة من بني ثعل يحمون بالبيض والسمر اللدان به=سود الغدائر حمر الحلي والحلل فسر بنا في ذمام الليل معتسفاً=فنفحة الطيب تهدينا إلى الحلل فالحب حيث العدا والأسد رابضة=حول الكناس لها غاب من الأسل نؤم ناشئة بالجزع قد سقيت=نصالها بمياه الغنج والكحل قد زاد طيب أحاديث الكرام بها=ما بالكرائم من جبن ومن بخل تبيت نار الهوى منهن في كبد =حرّى ونار القرى منهم على قلل يقتلن أنضاء حب لا حراك بها=وينحرون كرام الخيل والإبل يشفى لديغ العوالي في بيوتهم=بنهلة من غدير الخمر والعسل لعل إلمامة بالجزع ثانية=يدب منها نسيم البرء في عللي لا أكره الطعنة النجلاء قد شفعت=برشقة من نبال الأعين النجل ولا أهاب الصفاح البيض تسعدني=باللمح من خلل الأستار والكلل ولا أخلّ بغزلان تغازلني=ولو دهتني أسود الغيل بالغيّل حب السلامة يثني همّ صاحبه=عن المعالي ويغري المرء بالكسل فإن جنحت إليه فاتخذ نفقاً في=الأرض أو سلّماً في الجو واعتزل ودع غمار العلا للمقدمين على=ركوبها واقتنع منهن بالبلل رضى الذليل بخفض العيش مسكنه=والعزّ تحت رسيم الاينق الذلل فادرأ بها في نحور البيد حافلة=معارضات مثاني اللجم بالجدل إنّ العلا حدّثتني وهي صادقة=فيما تحدّث أن العزّ في النقل لو أنّ في شرف المأوى بلوغ منى=لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل أهبت بالحظّ لو ناديت مستمعاً=والحظّ عني بالجهّال في شغل لعلّه إن بدا فضلي ونقصهم=لعينه نام عنهم أو تنبّه لي أعلّل النفس بالآمال أرقبها=ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل لم أرض بالعيش والأيّام مقبلة=فكيف أرضى وقد ولّت على عجل غالى بنفسي عرفاني بقيمتها=فصنتها عن رخيص القدر مبتذل وعادة النصل أن يزهي بجوهره=وليس يعمل إلا في يدي بطل ما كنت أوثر أن يمتد بي زمني=حتى أرى دولة الأوغاد والسفل تقدّمتني أناس كان شوطهم=وراء خطوي إذ أمشي على مهل هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا=من قبله فتمنى فسحة الأجل وإن علاني من دوني فلا عجب=لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل فاصبر لها غير محتال ولا ضجر=في حادث الدهر ما يغني عن الحيل أعدى عدوك أدنى من وثقت به=فحاذر الناس واصحبهم على دخل وإنما رجل الدنيا وواحدها=من لا يعوّل في الدنيا على رجل وحسن ظنّك بالأيام معجزة=فظنّ شراً وكن منها على وجل غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت=مسافة الخلف بين القول والعمل وشان صدقك عند الناس كذبهم=وهل يطابق معوج بمعتدل إن كان ينجع شيء في ثباتهم=على العهود فسبق السيف للعذل يا واردا سؤر عيش كلّه كدر=أنفقت صفوك في أيامك الأول فيم اقتحامك لجّ البحر تركبه=وأنت يكفيك منه مصّة الوشل ملك القناعة لا يخشى عليه ولا=يحتاج فيه إلى الأنصار والخول ترجو البقاء بدار لا ثبات لها=فهل سمعت بظل غير منتقل ويا خبيراً على الأسرار مطّلعاً=اصمت ففي الصمت منجاة من الزلل قد رشحوك لأمر لو فطنت له=فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل