أُثيرت ضجة في الآونة الأخيرة بسبب عودة الملف النووي الإيراني إلى الواجهة الإعلامية، في ضوء المقاربة الأمريكية "الجديدة" التي تتجلى في توجهات الإدارة الأمريكية الحالية، وما أثير عن العودة للاتفاق النووي. ويشتعل في غضون ذلك، توجس حول مدى التزام إيران بالمواثيق التي تمّ سابقاً الاتفاق عليها إقليمياً ودولياً، انطلاقاً من الطموح الإيراني الصريح بشأن رغبة طهران امتلاك القدرات النووية، فضلاً عن سياساتها الاستفزازية، وهوايتها المفضّلة في خلق التوتر، وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. ولا ريب في أنّ أي اتفاق إيراني مع المجتمع الدولي، وإعادة العمل في الاتفاق النووي (JCPOA) الذي وُقّع عام 2015، يقتضي النظر في البرامج الصاروخية، والتدخّلات السافرة، ولجم شراهة توسيع النفوذ، وأية أمور لها علاقة بالمسبّبات التي أدت إلى فرض العقوبات القوية الصارمة ضد نظام الملالي. أيّ اتفاق، لا يأخذ بالاعتبار سياسات طهران في دعمها الإرهاب والميليشيات المسلحة، والعبث في شؤون الدول الداخلية، بالإضافة إلى كبح طموحها النووي العدواني، لن يكون مجدياً، وبالتالي فإنّ المأمول من المجتمع الدولي أن يستفيد من التجارب السابقة ويضغط، مجدداً، على إيران لتحميلها مسؤولياتها، ودفعها للامتثال وتنفيذ التزاماتها المتفق عليها، والكفّ عن تصرفات الهيمنة على جيرانها. محاولة إيران وسعيها لاستثمار علاقاتها الثنائية مع بعض الدول لتعزيز وجهة نظرها في الحوار والتفاوض مع المجتمع الدولي، كان له آثاره السلبية، ولم يكن مجدياً، وبالتالي لا بد من أن تكون عودة إيران للمجتمع الدولي، كعضو طبيعي، مرهونة بتفاهم وحوار، ومبنية على أسس مدروسة وواقعية وواضحة المعالم. إنّ ما يطرحه مسؤولو إيران، من أنساق مستحدثة لتحسين التفاوض مع الدول الخليجية، أمر لا يخرج عن إطار المزايدات والتجاذبات السياسية والتذاكي المفرط في انتهازيته؛ إذ إنّ التعاون المنشود والمطلوب لا يُبنى بالضرورة على أساس وجود تجمع معين، أياً كان مسماه، ذلك لأنّ الأهم هو توفير البيئة المواتية، وتعزيز تدابير الثقة. الإمعان في مقولة أنّ أمن الخليج لا يمكن أن يتم إلا من خلال إيجاد أنساق تعاون بين الدول الخليجية وإيران، يستلزم، بداهةً، البحث عن مصادر التهديد لأمن الخليج ولدول الخليج أولاً، فقد أثبتت الوقائع والأحداث أنّ مصدر التهديد الأساسي للأمن نجم عن عدوانية النظام العراقي السابق، وعن السياسات التي تتبعها إيران حالياً، وممارساتها الاستفزازية والعدوانية وتدخلاتها السافرة في الدول العربية عموماً. باتت حقيقةً لا تقبل الجدل أنّ إيران سببٌ في اضطراب الأمن والاستقرار في المنطقة؛ خصوصاً أنّ الدول الخليجية تبنّت سياسات واضحة، من حيث وجوب إبعاد المنطقة عن أية صراعات إقليمية أو دولية؛ نظراً لتعارض مثل هذه الصراعات وطموحات شعوب دول المنطقة ومصالحها الحيوية، وكانت تنظر إلى أنّ أمن الخليج مسؤولية دوله بالدرجة الأولى. علينا الإقرار بأنّ تدهور العلاقات، وما شهدته المنطقة من أحداث مؤلمة هو نتيجة حتمية لمحاولة استئثار إيران وهيمنتها على الحلول المطروحة لأمن المنطقة واستقرارها، وهذا ما جعل دول الخليج تنظر بجدية إلى هذه التحديات التي تهدد أمنها وتنسف استقرارها وسلمها الأهلي. وبالتالي، فإنّ أي تجاهل لهذا الواقع، أو التهاون فيه، أمر يصعب الاقتناع به، ما لم تؤكد إيران، بما لا يقبل الشك، إيمانها بمبادئ حسن الجوار، والاحترام المتبادل، وعدم العبث في الشؤون الداخلية لجيرانها، ونبذ الإرهاب، واحترام سيادة واستقلال جميع دول المنطقة، ومراعاة مصالحها المشروعة. إنّ هذه الأسس التي ينص عليها القانون الدولي، وميثاق الأممالمتحدة، ستمكّن من خلق بيئة توفر الثقة والنيات الصادقة، بعيداً عن العلاقات المتوترة، وتفتح صفحة جديدة في العلاقات تأخذ دينامكية التحولات، وتبني أسس جديدة، وتشكل نقلة نوعية في طبيعة العلاقات. في السياسة لا توجد صداقات أو عداوات دائمة، ولكن ثمة مصالح مشتركة، وهذا سيفتح آفاقاً واسعة، متى صدقت النيات، ويكون دعامة واقعية للسعي الجاد نحو استتباب الأمن والاستقرار، بما يضمن كافة المصالح المشروعة في المنطقة، ويكون له أثره الحاسم في ديمومة الأمن والاستقرار، وتعزيز الشراكة المستقبلية كمحرك للتقارب، وبناء علاقات طبيعية تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات، وتخدم التنمية المستدامة في المنطقة، بما يحقق رفاهية وازدهار شعوبها.