السلاح النووي هو قضية القضايا الآن في المجتمع الدولي، الانضمام إلى مجموعة الكبار يلزمه امتلاك لمفاتيح هذا السلاح، حينها سيحسب لك الكل ألف حساب. يعد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الملك سعود الدكتور عبدالله العتيبي من المهتمين والمتخصصين في الشأن الإيراني وقصتها مع السلاح الذري وتطور برنامجها النووي. يرى ضيفنا أن الخطر الإيراني هو الخطر الأكبر على دول الخليج، وأن مجلس التعاون لا تزال خطاه على استحياء في ذلك، وينتظر الكبار أن يفعلوا شيئاً وفق مصالحهم وليس وفق مصالح الخليج نفسه! ويوجه العتيبي دعوته لدول الخليج لامتلاك سلاح نووي إما إنتاجاً أو شراءً، ليكون ذلك الحصن الحصين من كل خطر يحدق بها. بصفته متخصصاً في السياسة والعلاقات الدولية، يشير في ثنايا حواره معنا إلى صعوبة سياسة الاحتواء المتبعة مع إيران حالياً، ويظن أنها لن تدوم طويلاً، فإن ابتعدت لفترة ستعود في زمن مقبل وبقوة، لأنها خيار استراتيجي تُبنى عليه مصالح كبرى. الحديث اليوم هو عن العالم النووي وتفاعلاتنا معه من قرب ومن بعد.. فإلى الحوار.. أي شيء جعل العالم يخطب ود الإلكترون والمفاعلات والماء الثقيل؟ - السبب في ذلك له جانبان: الجانب المدني وهو أن الطاقة النووية تعتبر من المصادر المهمة للطاقة وغير القابلة للنضوب، فهي مصدر متجدد وغني جداً للطاقة. ولكن ما يجعل البعض يتردد في استخدامها ويثير الشكوك حول مستقبل الطاقة النووية هي التكاليف العالية لبناء المفاعلات النووية، ومخاوف العامة المتعلقة بالسلامة والمخاطر البيئية، وصعوبة التخلص الآمن من المخلفات عالية الإشعاع. ولكن بالنسبة إلى الكلفة العالية نسبياً لعملية بناء المفاعلات النووية فيمكن أن تعوّض بمرور الوقت، إذ إن الوقود النووي رخيص نسبياً ومتجدد. أما الجانب الثاني لأسباب جاذبية المفاعلات النووية فهو عسكري يتعلق بإنتاج - وليس استخدام - السلاح النووي، وهو السلاح الذي أثبت فاعليته في المحافظة على أمن وبقاء الدول التي امتلكته. بلادنا والنووي هل مازال يسكنك حلم صناعة القنبلة النووية لبلادنا؟ - السلاح النووي، أو القنبلة النووية كما تقول، ليست نوعاً من الرفاهية العسكرية غير الضرورية، أو التهور السياسي الذي يفتقد الحسابات العقلانية الحصيفة، وإنما هي في نظري، وفي عالم مثل عالمنا ومنطقة مثل منطقتنا، ليست فقط ضرورة من ضرورات البقاء، وإنما أيضاً هي مطلب من مطالب الأمن والنمو والازدهار. فلا يمكن لأمة أن تنصرف للاهتمام بشؤون تنميتها ورفاهية شعبها إذا كانت محاطة بالتهديدات من كل جانب وفي كل وقت. فالتاريخ النووي يثبت وبشكل واضح أن من يمتلك السلاح النووي يصبح محصناً وبشكل كامل ضد كل المخاطر والتهديدات التي تهدد وجوده واستقلال قراره السياسي. أليست مفارقة أن صناعتك للموت تجعل حياتك في أمان أكثر؟ - هذه ليست مفارقة بل حقيقة، خصوصاً في عالم السياسة الدولية، حيث لا حياة لمن لا يتخذ أسباب البقاء. ثم من قال إن السلاح النووي أو الطاقة النووية صناعة للموت؟ تاريخ السياسة الدولية يثبت أن الأسلحة التقليدية، وليست النووية، هي مصدر الحروب والمآسي. فلم يسبق لدولتين نوويتين أن دخلتا في حرب نووية مباشرة واستخدم فيها السلاح النووي، كل الدول التي خاضت الحروب خاضتها بالأسلحة التقليدية وليست الأسلحة النووية. فالسلاح النووي سلاح سلمي، إذ لا يمكن استخدامه أبداً ضد دولة نووية أخرى. هل معنى ذلك أنك تقول إن السلاح النووي يصنع السلم والأمن؟ - نعم، هذا تحديداً ما أقوله. في بدايات اختراع السلاح النووي كان ينظر إليه على أنه سلاح تكتيكي ذو قوة نارية تدميرية هائلة تؤدي إلى التفوق العسكري في أرض المعركة. ولكن في ما بعد، أصبحت فكرة السلاح النووي كسلاح تقليدي أقل أهمية، وأصبح ينظر إليه في إطار ما يسمى ب«سيناريوات الحروب المحدودة». ومع مرور الوقت بدأ النظر إلى السلاح النووي باعتباره سلاحاً سياسياً أكثر من كونه أداة لخوض الحروب. ولهذا فإن القوات المسلحة، خصوصاً القوات النووية منها، يجب ألا ينظر إليها من زاوية استخدامها في الحروب كما هي عادتنا، وإنما من زاوية منعها للحرب، أي الردع. فالتاريخ يثبت أن الدول التي يتوافر لها الردع النووي - بشروطه الفعّالة - تتصرف بحذر وعقلانية. المشروع النووي السعودي.. نسمع عنه ولا نراه؟ - ظهرت بوادر المشروع النووي السلمي السعودي في الآونة الأخيرة، وعبّرت السعودية عن رغبتها في تطوير برنامج سلمي للطاقة النووية، وقيامها، بالتعاون مع بقية دول مجلس التعاون في الخليج العربي، بإطلاق مبادرة لتطوير برنامج مشترك للطاقة النووية السلمية. وفي هذا السياق جاء تأسيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في عام 2010، بهدف إدخال مصادر الطاقة الذرية والمتجددة إلى منظومة الطاقة السعودية، وبهدف استخدام مصادر بديلة لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه المالحة. وهو مشروع جنيني لا يزال في بداياته الأولى، ولكن من الممكن تطويره من خلال التعاون مع الدول التي سبقتنا في هذا المجال. ولكن من المهم هنا أن يكون هذا المشروع في نهاية المطاف مستقلاً بشكل كامل في عملية تشغيله وإنتاجه للمواد الضرورية لإنتاج الطاقة، مثل اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد وغيرهما. يقودنا ذلك إلى الدخول في موضوع اهتمامك البحثي وهو المشروع النووي الإيراني.. حتى متى ستكون إيران مستودع أزمات للمنطقة؟ - مثل هذا السؤال يوجه للإيرانيين، ولكن ما يمكنني قوله هو أن إيران دولة قومية تسعى لتحقيق مصالحها الوطنية كما تراها هي، وبالطريقة التي تضمن استقلالها ونفوذها في المنطقة. وهنا يأتي السؤال التالي عما هو رد الفعل المنطقي الذي يجب أن تتبعه دول المنطقة للرد على السلوك الإيراني الذي تجاوز حدود إيران إلى حد تهديد أمن الآخرين؟ إن أكبر تهديد لدول المنطقة حالياً هو الطموح الإيراني في الهيمنة، والإصرار الإيراني على امتلاك السلاح النووي، وكذلك التفوق في السلاح التقليدي. ففي عالم السياسة الدولية لا توجد وسيلة علمية للتأكد من نوايا الآخرين غير الاعتماد على مراقبة سلوكهم، والسلوك الإيراني منذ أكثر من 30 عاماً لا ينم عن نوايا سلمية على الإطلاق. الجموح الإيراني هل معنى ذلك أنك مقتنع بأهمية امتلاك السلاح النووي كوسيلة لكبح الجموح الإيراني؟ وماذا عن الموقف السعودي القوي تجاه شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي؟ - من المعروف أنّ المملكة تعارض رسمياً امتلاك أية دولة في الشرق الأوسط السلاح النووي، وهي لطالما كانت في مقدّم المجموعة العربية الداعية إلى «شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي»، وهي أيضاً من الدول الموقّعة على اتفاق حظر انتشار السلاح النووي NPT، وهي لم تبدِ أي اهتمام أو نشاط نووي على الإطلاق وفق معظم التقارير والدراسات حتى اندلاع الأزمة النووية الإيرانية. ولكن من المعلوم أيضاً أنّ حصول إيران على السلاح النووي يعني توجيه ضربة قاضية لجهود الدول العربية في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي، ولا بد من أن يلقى الإخلال بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة ردّ فعل قوياً في هذه الحالة، ذلك أن إمكان الاحتماء من قوّة نووية يعدّ مستحيلاً ما لم يتم الرد بسلاح نووي رادع أيضاً، خصوصاً أنّ عدداً من الخبراء والمهتمين بالدراسات الاستراتيجية يرون أنّ الهدف من السلاح النووي الإيراني ليس مثلاً موازنة السلاح النووي الإسرائيلي، وإنما الحفاظ على النظام الإيراني في الشق الدفاعي الرادع، وفرض الهيمنة على دول الخليج في الشق الهجومي الناجم عن حظوة امتلاك سلاح نووي. فالقراءات التاريخية تقول إنّ إيران تحاول دائماً مدّ نفوذها باتّجاه الخليج لتسيّد الإطار الممتد من الشمال (آسيا الوسطى) إلى الجنوب (الخليج)، ومن الشرق (أفغانستان) إلى الغرب (العراق وسورية ولبنان)، ولا شك في أنّ امتلاك قنبلة نووية هو الوحيد القادر على تحقيق هذا الحلم. أليس من الممكن لدول المنطقة الاستمرار في سياسة الاحتواء لكبح جماح الطموح الإيراني، كما تقول، بدلاً من تحمّل التكاليف السياسية المترتبة على محاولات امتلاك السلاح النووي؟ - من المستحيل لسياسة الاحتواء أن تنجح مع إيران نووية. وتتمثل المعضلة الأساسية للاحتواء في القدرة على تحديد متى يمكن القول بأن الدولة المقصودة (إيران هنا) حصلت فيها تغييرات كافية تسمح باتخاذ خطوات إيجابية تجاه بدء التفاعل معها من جديد. وبالنسبة إلى إيران يجب أن تتوافر شروط عدة حتى يمكن القول بإمكان التعامل معها: أولاً: يجب أن تقلص من قدراتها العسكرية التقليدية، وثانياً: يجب أن تتخذ خطوات كفيلة بمنع سباق التسلح في المنطقة. وثالثاً: يجب أن تصدق على معاهدة WMD والتأكد من الالتزام بها. ورابعاً: يجب أن تتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وعن دعم الجماعات الإرهابية. فمن ناحية القدرات التقليدية لم يحصل ذلك، وإنما لا تزال تمثل هذه القدرات أكثر مصادر القلق، فتكنولوجيا الصواريخ لا تحتاج إلى الاعتماد على دول أخرى من أجل التمويل والتدريب والصيانة والتطوير، أيضاً احتواء إيران سيتطلب مهارات ديبلوماسية عالية وإرادة سياسية قوية من جانب الولاياتالمتحدة وحلفائها في المنطقة. ولهذا يجب ألا تطمئن دول المنطقة إلى ضامني الأمن الخارجيين. إضافة إلى ذلك فإن القناعة بإمكان احتواء إيران مبني على مجموعة من المسلَّمات الخاطئة. أولاً: القناعة بأن إرادة الولاياتالمتحدة وصدقيتها ستكونان كافيتين لإنجاح الاحتواء. إذا نجحت إيران في الحصول على السلاح النووي يجب أن يكون عند جيرانها من الأسباب ما يكفي للشك في التزام الولاياتالمتحدة بأمنهم. ثانياً: المسلَّمة الخاطئة القائلة بأن إيران سترد على الضغوط بشيء من الاعتدال والحكمة، ربما يكون ذلك صحيحاً إلى حد ما، ولكن ليس من الحصافة افتراضه. فمن المؤكد أن إيران لن تكون انتحارية، ولكنها ستكون ميَّالة للمخاطرة، وكنظام آيديولوجي، من المحتمل أن تسيء الحسابات بطريقة تؤدي إلى حروب محدودة. ثالثاً: المسلَّمة الخاطئة الأخرى هي القول بأن التهديدات التي تمثلها إيران النووية تنحصر في استخدامها الفعلي للسلاح النووي. في الحقيقة هناك احتمالات أخرى مثل استمرار وزيادة دعم الحركات الثورية في العالم الإسلامي، والتأثير في المسار الفلسطيني، واستخدام المظلة النووية لحماية عملائها في العراق ولبنان واليمن وسورية، والدخول في سياسات «حافة الهاوية» من أجل ابتزاز جيرانها والضغط عليهم. لهذا فإن الاحتواء الناجح سيكون من الصعب جداً تحقيقه، ويتطلب تغييرات جوهرية في السلوك والتفكير الخليجي والأميركي. إسرائيل وإيران.. مختلفتان علناً، متفقتان سراً على كل التفاصيل.. ما رأيك؟ - في هذا السياق تأتي وجهة نظر إسرائيلية تقول إنّ إيران لا تعتبر إسرائيل عدواً لها، وإن كان هناك عداء فعلى قاعدة المصالح وليس العقائد، (وقد استفاض في شرح هذه النقطة الخبير تريتا بارزي في كتابه الشهير «حلف المصالح المشتركة: التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيرانوالولايات المتّحدة»). فإيران لها طموح إقليمي، وهي ستعارض كل من يقف في وجهها، والقنبلة الإيرانية هي لتحقيق هذا الطموح. ومن المعلوم أن لا أطماع لإيران في إسرائيل، وليست لإسرائيل أطماع في إيران، وعليه فإن الأسلحة النووية والصاروخية الإيرانية تصبح في هذه الحالة في خدمة الأهداف الإيرانية في منطقة أخرى بالشرق الأوسط، أقربها بالنسبة إلى إيران وأضعفها هي الدول العربية الخليجية الموجودة على الساحل الغربي المقابل من الخليج، خصوصاً أنّ لإيران أطماعاً تاريخية في هذه المنطقة. وهي لا تزال تحتل جزراً عربية، وترفض بشكل دائم مقترحات للتسوية السلمية أو وساطات لحل الخلاف، وهي لطالما عملت على تخريب الأمن والاستقرار في الدول العربية بحجّة مقاومة إسرائيل، وهي تصر على التذكير دوماً بأنّ البحرين والإمارات وسواهما محافظات إيرانية، وأنّ تسمية «الخليج العربي» مؤامرة صهيونية، وكلها أمور تطرح تساؤلاً خطراً مفاده «إذا كانت هذه حال طهران الحالية في التعامل مع الدول العربية والخليجية فماذا ستكون حالها عندما تمتلك السلاح النووي؟». لماذا الدول الكبرى تمارس الصبر مع إيران في ذلك؟ فالبعض يشعر بأن هناك تبايناً بين الموقف الأميركي والأوروبي في التعامل مع المشروع النووي الإيراني؟ - ليس الموضوع موضوع صبر من عدمه، وإنما هو مهارة ديبلوماسية تحسب للإيرانيين. فالإيرانيون يدركون جيداً أنه ليس بمقدور الولاياتالمتحدة أو «الترويكا الأوروبية» تكبيد إيران ما يكفي من الخسائر لإرغامها على تعليق التخصيب كلياً أو التخلي تماماً عن طموحها النووي. لهذا من غير المرجح أن تذعن إيران لمطالب الولاياتالمتحدة و«الترويكا الأوروبية» للتفاوض الجدي حول الملف النووي، إلا إذا قبلت واشنطن بصيغة يمكن لإيران بموجبها الاستمرار في مستوى معيّن من أنشطة التخصيب في ظل رقابة دولية مكثفة. أما إصرار الولاياتالمتحدة ومجلس الأمن على المطالبة بالتعليق المسبق للتخصيب، ومع استبعاد لحظة ضعف غير متوقعة لإيران فلن يرتب ديبلوماسياً سوى فشل مستمر ومحدودية بالغة في مستوى الحوار بين إيران والغرب. ما الاستراتيجيات التي تتبعها هذه الدول في التعامل مع الملف النووي الإيراني؟ - بالنسبة إلى الموقف الروسي فقد اتسم منذ نشر تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمعارضة وانتقاد الوكالة الدولية التي اعتبرتها روسيا مصدراً للتوتر بين إيرانوالولاياتالمتحدة الأميركية، كما طالبت في الوقت نفسه إيران بالتعاون مع الوكالة، ومن هنا نجد أن روسيا لا تريد أن تخسر التعاون مع إيران، لذلك قامت بتوقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي معها في 11-11-2011، ممهداً لدخولها في «مجموعة شنغهاي»، وبهذا يكون الموقف الروسي متقدماً على موقف الصين التي تستورد النفط الإيراني بشكل متزايد. وبالنسبة إلى الأوروبيين فقد حاولوا أن يكونوا أكثر شفافية في التعامل مع هذا الملف، فعرضوا على طهران حزمة من الحوافز لتشجيعها على تجميد نشاطها النووي، كما أبدوا استعدادهم لمعاونتها على كل الأصعدة بما فيها التعاون النووي، شريطة أن يكون البرنامج لأغراض سلمية، ويجري تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية، مع استعداد «الترويكا الأوروبية» لتجهيز إيران بما تحتاج من مواد لهذا الغرض السلمي. وإلا فإن هذا الملف سيحول إلى مجلس الأمن، ولم تستجب إيران لهذه المحاولات، بل استمرت في برنامجها النووي، ومع هذا مازال الأوروبيون وبالذات الألمان يفضلون السيناريو السلمي لحل هذه الأزمة، وعلى الجميع المزيد من الضغوط على إيران والاستعانة بجميع الأطراف المعنية بهذا الملف، بما فيها دول المنطقة العربية وتركيا لهذا الغرض، وهو ما يوفر للإيرانيين المزيد من الوقت أملاً في التجاوب. وقد نجحت الولاياتالمتحدة الأميركية و«الترويكا الأوروبية» في إقناع روسيا والصين بدعم بعض الإجراءات الدولية ضد إيران بعد صدور أكثر من تقرير للوكالة الدولية للطاقة عن عدم تعاون إيران معها. دول مجلس التعاون أين دول مجلس التعاون من هذه المفاوضات؟ - للأسف الشديد أن المعنيين بهذا الشأن، وربما الضحية القادمة لا سمح الله، مغيبون تماماً عن هذه المفاوضات التي تجري حول مستقبلهم. وهنا من المهم الإشارة إلى ضرورة وأهمية إشراك دول مجلس التعاون الخليجي بهذه المفاوضات، وجعلها طرفاً تعنيه أكثر من غيرها كل الاحتمالات والسيناريوات الواردة في شأن الملف النووي الإيراني، وأن مجرد تهديد النظام الإيراني بضرب المصالح الدولية في منطقة الخليج العربي كافٍ وحده لمنح المبرر الكافي. والمطلوب بهذا الاتجاه. لقد دأب النظام الإيراني، ومنذ بداية تأسيسه، على اتباع سياسة تقوم على إلحاق الأضرار بدول الخليج العربية على وجه التحديد، ويسعى إلى جعل هذه الدول جسراً أو وسيلة لبلوغ غاياته المتباينة، ولعل كشف الكثير من المخططات المشبوهة ضد غالبية دول المجلس، والمساعي المحمومة التي بذلها النظام الإيراني من أجل زعزعة أمن واستقرار هذه الدول، وجعلها ورقة أو وسيلة للضغط في المفاوضات الجارية مع الغرب. قد أثبت بجلاء أن واحدة من الركائز الأساسية التي بنى عليها النظام الإيراني مستقبل ملفه النووي هي تهديد المصالح الحيوية والأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي. ومن هذا المنطلق، فمن غير المبرر والمعقول إهمال طرف أساسي في الاحتمالات المستقبلية السلبية الواردة بحقه من المشاركة في كل مجريات المفاوضات مع النظام الإيراني. بهذا الصدد، لا يكفي جعل دول مجلس التعاون مجرد عضو مراقب في الاجتماعات التي تجريها اللجنة مع النظام الإيراني، ذلك أن التهديد القائم للمصالح والأمن القومي من جانب النظام الإيراني لدول المجلس يحتّم على المجتمع الدولي جعل مشاركة دول المجلس مسألة بالغة الجدية والأهمية، وليس مجرد أمر هامشي كما هو متبع حالياً. إضافة إلى ذلك، من شأن مشاركة دول المجلس أن تؤدي إلى فائدة مشتركة لمختلف الأطراف (بما فيها النظام الإيراني نفسه)، إذ إن دول مجلس التعاون كما هو معروف على مختلف الأصعدة العربية والإقليمية والدولية، تتبع سياسة مرنة بالغة الاعتدال، وتجنح في معظم الأحيان إلى التهدئة وضبط الأعصاب وانتهاج كل السبل والطرق السلمية المختلفة من أجل نزع فتيل الأزمة. ولهذا فإن دول مجلس التعاون الخليجي بإمكانها أن تؤدي دوراً حيوياً ومحورياً في تقريب وجهات النظر، ومنح المبادرات والاقتراحات روحاً من المرونة بالصورة التي تتمكن من ترجمة الرؤى المشتركة «الأهم» للدول المعنية على أرض الواقع. الثقافة النووية الثقافة النووية لماذا مغيبة في أوردة المجتمع؟ - يرتبط ذلك بأمرين، الأول هو الطفرة النفطية والمخزون النفطي الهائل الذي يغني عن البحث عن مصادر بديلة للطاقة. والثاني هو سوء الفهم الشائع حول الطاقة النووية والسلاح النووي تحديداً. منذ لحظة اختراع السلاح النووي واكتشاف الطاقة النووية لم يتجاوز عدد الدول النووية التسع دول. والأهم من ذلك كله أن هذه الدول النووية لم تدخل في حروب نووية مباشرة مع بعضها بعضاً، بل كان امتلاك الردع النووي ضامناً لبقائها واستقلال قرارها السياسي وسلامة أقاليمها، نعم دخلت في حروب غير مباشرة ومحدودة ولكن السلاح النووي لم يستخدم بين دولتين نوويتين على الإطلاق. هذا إضافة إلى الخوف من الكوارث البيئية التي قد تنتج من وجود المفاعلات النووية. ولكن تقنيات السلامة والسيطرة والتحكم التقني قطعت كذلك أشواطاً كبيرة تجعل من الطاقة النووية ليست فقط طاقة آمنة، بل أيضاً سبباً للأمن والاستقرار. ما هي في نظرك الآثار البيئية المحتملة للمشروع الإيراني؟ - أخطر هذه المفاعلات هو مفاعل بوشهر الذي يهدد دول مجلس التعاون عموماً والكويت خصوصاً، وذلك بسبب افتقاره معايير الأمان وعدم شفافية أنشطته والأهداف منها، وكون مدينة بوشهر نفسها تقع على خط زلازل نشط، وأي زلزال كبير أو متوسط قد يؤدي إلى انقطاع مياه التبريد عن المفاعل النووي. علاوة على ذلك، لا تزيد المسافة بين الكويت وبوشهر عن 236 كيلومتراً. وبسبب أن الخليج العربي شبه مغلق تتغير مياهه مرة كل خمسة أعوام، فإن أي تسرب من الملوثات النووية سيكون له تأثير مدمر في دول المنطقة كافة والبيئة البحرية فيها. كما أن مياه الخليج تتحرك بعكس عقارب الساعة، وهذا يعني أن أي تلوث في المياه من مفاعل بوشهر سيكون له تأثير كبير في الكويت على وجه الخصوص ومحطات تحلية المياه، فحركة مياه الخليج ستبعث بالملوثات باتجاه الشواطئ الكويتية. كما أنه وفي حالة حدوث تسرب جوي في المفاعل قد يؤدي إلى انتشار السحابة النووية نحو أقصى أطراف دول مجلس التعاون. إذ إن ذلك يعتمد على الأحوال الجوية ووقت حصول الحادثة. فاتجاه الرياح هو إما من الشمال إلى الجنوب، أي من جهة إيران إلى المنطقة وستحمل معها الملوثات أولاً إلى الكويت وشمال السعودية وجنوب العراق، أما إذا كانت الرياح من الشرق إلى الغرب فستكون الإمارات وعمان واليمن أول المتضررين. ويؤكد الخبراء أن حدوث أي تسرب إشعاعي من مفاعل بوشهر النووي الإيراني يمكن أن يصل إلى أجواء الكويت في أقل من 15 ساعة فقط، وعلى رغم وجود مفاعل بوشهر في الأراضي الإيرانية، إلا أن 10 في المئة فقط من سكان إيران قد يتعرضون إلى مخاطر حدوث التسرب الإشعاعي في المفاعل، بينما من 40 -100 في المئة من سكان الخليج سيتعرضون إلى تلك المخاطر. المستقبل المتشائم أنت تقدم صورة متشائمة عن المستقبل.. ما الذي يمكن فعله حيال ذلك؟ - التشاؤم مرتبط بعدم الأخذ بأسباب التفاؤل، فالذين لا يصنعون واقعهم هم بذلك يسمحون للآخرين بصنعه لهم. وكل ما أؤكد عليه هنا هو أن الحقيقة التي يتم تهميشها من الجميع هي أن أي حل ديبلوماسي يمكن أن تصل إليه الولاياتالمتحدة أو المجتمع الدولي مع إيران حول برنامجها النووي هو حل سيبقى موقتاً، ولن يقطع جذور الأطماع الإيرانية في أن تصبح قوة عسكرية نووية في منطقتنا وبشكل يهدد مصالحنا. بمعنى آخر، إذا لم تصبح إيران في الوقت الراهن قوة نووية فإنها حتماً ستكون كذلك في المستقبل. والشاهد على ذلك أن جميع القوى في العالم التي اختارت الطريق النووي لم تتنازل ولم تتوقف - على رغم الضغوط المختلفة عليها - عن سعيها لامتلاك القدرة النووية العسكرية. فهذه الصين التي حاولت الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي من خلال التوقيع على معاهدة منع التجارب النووية في بداية الستينات منعها من أن تصبح قوة نووية أصبحت كذلك، وهذه الهند وباكستان على رغم الضغوط الدولية عليهما صارتا دولتين نوويتين. وهذه كوريا الشمالية على رغم كل العقوبات إلا أنها أعلنت نفسها قوة عسكرية نووية. لا شيء يستطيع أن يمنع الدول من أن تصبح قوى نووية إلا أمرين لا ثالث لهما. الأول تخلي الدول من ذاتها عن انتهاج الخيار النووي كما فعلت البرازيل وجنوب أفريقيا والجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفياتي أو حتى ليبيا، والثاني تدمير تلك القدرات تدميراً نهائياً، وتقييد الدولة بالتزامات دولية تمنعها من أن تلجأ إلى هذا الخيار في المستقبل كما حدث مع العراق بدرجة ومع اليابان بدرجة أخرى، إذ يمنع دستورها امتلاك قدرات نووية لأغراض عسكرية، وكذلك مع ألمانيا التي أصبحت تحت الرقابة العسكرية الأميركية إلى يومنا هذا. لذلك فأفضل الخيارات المتاحة والعملية هو خلق توازن رعب نووي استراتيجي من شأنه أن يلجم الطموحات الإيرانية وتدخلاتها الاستفزازية في دول الخليج. فدول الخليج العربية أمام معضلة كبيرة، ويبدو أنها فضلت التعامل مع الأزمة لإيجاد حل موقت لها. لكن عليها أن تدرك أن هذه الأزمة لن تقف عند هذا الحد. فإذا كانت لديها استراتيجية حالية قائمة على التعامل مع إيران وإقناعها كي ترضخ للحل السلمي في شأن برنامجها النووي الذي من شأنه تأجيل المطامع الإيرانية، فلا بد أيضاً أن تكون لديها استراتيجية في كيفية التعامل مع إيران على المستوى البعيد عندما تصبح واقعاً نووياً في المنطقة. فأفضل السبل هو خلق توازن الرعب النووي الذي أثبت فاعليته في المحافظة على السلام في أوروبا مدة 50 عاماً. هذا مع العلم بأن ليس إيران فقط هي التي في حاجة إلى الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وإنما نحن أيضاً في حاجة إلى فتح مجال المعرفة النووية. فالقوة النووية ليست للاستخدام العسكري، وإنما هي قوة رادعة ومساهمة في خلق التوازن والاستقرار أكثر من كونها قوة دافعة للحرب. ما هي في نظرك الخيارات المتاحة أمام دول المنطقة والسعودية تحديداً؟ ماذا يمكن لدول الخليج أن تفعل مع الخطر النووي الإيراني ولم تفعله بعد؟ - الاستجابة الخليجية، لا بد أن تتناسب مع طموح إيران ومشروعها الجامح. ومن الضروري أن تأتي الاستجابة الخليجية هنا وفق سياق شامل وتفكير وتخطيط بعيد المدى، نظراً إلى ما يأتي: أولاً: تعزيز مكانة الدولة في إطار وجود حالة من التسلح النووي لا يكون بالدخول تحت مظلة قوى نووية أخرى، إذ ليس مضموناً انقلاب الدولة أو الحلف المظلة في ما بعد على حلفائه. ثانياً: الدول الخليجية واقعة بين فكي كماشة، مشروع أميركي لتوفير أمنها وآخر إيراني، وكلاهما له أهداف وتحركات لا تنسجم بالضرورة مع المصالح والأهداف الخليجية. ثالثاً: يقتضي ما سبق تفكير خليجي مستفيض وخلاق حول سبل خلق استراتيجية نفوذ خليجية لا تعتمد على استحضار التاريخ، أو الارتكاز إلى النفط، أو الارتكان للحلفاء، لتحقيق المصالح الخليجية، بل البحث عن وسائل إضافية لتعزيز المكانة الخليجية. وربما يكمن ذلك، إضافة إلى المسعى النووي، في إقامة تحالف خليجي اقتصادي ضخم، والاعتماد على الذات في الجوانب الاقتصادية، والتنمية البشرية، والتطوير التكنولوجي وما سوى ذلك. العتيبي: التاريخ يثبت أنه لم يسبق لدولتين نوويتين أن دخلتا في حرب نووية مباشرة.