في العام 1989م، كتب السياسي الأميركي فرانسيس فوكوياما مقالاً بعنوان: «نهاية التاريخ» نشر في المجلة الدولية «مجلة شؤون المصلحة الوطنية» The National Interest، وبعده بثلاث سنوات تم طرح الأفكار الواردة في هذا المقال بشكل تفصيلي في كتاب حمل عنوان: نهاية التاريخ والرجل الأخير «The End of History and the Last Man» والذي نُشر لأول مرة في العام 1992م، جاء هذا الكتاب مبشراً بالليبرالية الغربية التي يرى فيها فوكوياما أنها ستكون المرحلة الأخيرة من مراحل التطور الاجتماعي والثقافي للبشرية وقمة الحكومة الإنسانية، وقد جاءت هذه الأطروحات تزامنا مع سقوط الاتحاد السوفيتي، وفشل الشيوعية مما يعني انتصار الديمقراطية الليبرالية والرأسمالية، حيث لم يعد هناك منافسون لهذه الأيديولوجيات، ونتيجة لذلك تم تحقيق الأمن والحرية، وبالتالي فقد انتهى التاريخ والأحداث الرئيسة التي تشكله، ورغم الضجة التي أحدثها هذا الكتاب في حينه، ورواجه بشكل كبير في الغرب، إلا أن هناك العديد من الأحداث السياسية التي تثبت عدم دقة أطروحة فوكوياما. ولعل أهم هذه الأحداث وآخرها هو اقتحام مبنى الكابيتول على يد مجموعة من الشباب الأميركي المناصر للرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الأربعاء الماضي، ما أدى إلى مقتل العديد من رجال الأمن، ومن المتظاهرين، وإلى تحطيم بعض مقتنيات المبنى. والأهم من كل ذلك هو تحطيم رمزية هذا المبنى في العقل الجمعي الأميركي، وتكمن أهمية هذا الحدث هنا كونه يشكل عدم قناعة بالديمقراطية الغربية، بل والثورة عليها، من قبل جزء من أهلها، فإذا حدث هذا في أعتى الديمقراطيات والليبراليات الغربية وهي الولاياتالمتحدة الأميركية، فما بال بقية دول العالم؟، نعم لن تنهار الديمقراطية الغربية، ولن تنقرض، ولكنها تلقت صفعة قوية سيبقى أثرها في وجه هذه الديمقراطية حاضرا لعقود قادمة. لقد تم تحدي القيم والمعتقدات التي كانت في السابق من المسلمات. يقول بيتر باير، منسق الحكومة الألمانية للشؤون عبر الأطلسية: «إنه لأمر مزعج للغاية أن نرى الحصار المفروض على ذروة الديمقراطية في الولاياتالمتحدة.. الديمقراطية ستنتصر.. لكنها يمكن أن تتعرض للهجوم وهي معرضة للخطر». لن يكن من السهل على الولاياتالمتحدة الأميركية تجاوز ما حصل وسيظل انقسام الشعب الأميركي حول الليبرالية والديمقراطية الأميركية طويلاً، وبالتالي.. سيكون من الصعب على أميركا أولاً، وبقية دول الغرب إقناع الآخرين بأن ليبراليتهم وديمقراطيتهم هي آخر صور تطور الحكومات، وآخر مراحل حركة التاريخ، وهذا زلزال آخر يضاف إلى بعض الزلازل السابقة التي تضرب أرضية أطروحة فوكوياما.