سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فوكوياما صاحب نهاية التاريخ في كتابه الجديد:أصل النظام السياسي

يبدو كتاب فوكوياما الجديد “أصل النظام السياسي” من عنوانه متأثرًا بالنظريات الشائعة في علم الأحياء كالنظرية التطورية خصوصًا التطوريين الجدد في الثقافة الغربية من أمثال إدوارد أو ويلسون الذي يزعم أن للسلوك الاجتماعي الإنساني أساسًا تطوريًا، كما جاء في كتابه (الأحياء الاجتماعية / Sociobiology) وهو كتاب أثار ضجة كبيرة في الأوساط العلمية على الرغم من قبول معظم علماء الأحياء التطوريين لبعض الأفكار الواردة فيه ومن ذلك القائلة بأن بعض أنواع السلوك الاجتماعي ك “الغيرية” مثلًا يمكن أن تكون مفضلة بواسطة الانتخاب الطبيعي.
استعرض فرانسيس فوكوياما في كتابه الجديد -الذي صدر في أبريل الحالي- نظرة جديدة كاسحة للبنيات الاجتماعية الإنسانية عبر التاريخ منطلقًا من الفرضيات الطموحة التي لم يحققها الدكتور ويلسون في كتاب الأحياء الاجتماعية.
وكان الدكتور فوكوياما كدارس للعلوم السياسية مهتمًا أكثر بالجوانب الثقافية لا الإحيائية للمجتمع الإنساني. ولكنه افترض ضمنيًا أن الطبيعة الاجتماعية الإنسانية طبيعة إنسانية شاملة عالمية (Universal) ومبنية حول سلوكيات تطورية مثل تفضيل الأقارب والإيثار المتبادل أو الغيرية المتبادلة وابتداع واتباع القوانين والنزوع والميل إلى الحروب.
وبسبب هذه الطبيعة الإنسانية المشتركة بين البشر كلهم، ذات الأساس الإحيائي يقول فوكوياما إن السياسة الإنسانية أصبحت رهينة لأنماط متكررة متناوبة للسلوك عبر الزمن والثقافات. وفي هذه الأنماط المنتشرة على نطاق العالم قام الكاتب بالسعي لوصف الحالات في تحليل امتد عميقًا من فترة ما قبل التاريخ إلى الثورة الفرنسية.
المحاولات السابقة لفوكوياما لصياغة تحليل بهذه الضخامة للتطور الإنساني كانت تتجه للتركيز على تفسير سببي منفرد مثل الاقتصاد أو الحرب أو الكتابة عن الجغرافيا كما جاء في كتاب جاريد دايموند الموسوم (السلاح والجراثيم والفولاذ). لكن الدكتور فوكوياما خالف كل هذه الأنماط من الكتابة بكونه تحدث في كتابه عن عدة عوامل وتشمل هذه الحروب والدين وعلى وجه الخصوص السلوكيات الإنسانية الاجتماعية مثل تفضيل الأقارب.
قرأ كتاب فوكوياما القليلون حتى الآن لكنه أثار ضجة معتبرة في الجامعات عندما ألقى الكاتب عنه محاضرات. يقول البروفيسور آرثر ميلزر من جامعة والية ميتشجان معلقًا على الكتاب ومدخل الكاتب العريض غير الاعتيادي أي نظرته الكلية لمجمل التاريخ الإنساني “إنه بكل تأكيد إبداع عظيم”. وأشاد الدكتور ميلزر برؤية فوكوياما في الكتاب القائلة بأن المجتمعات تتطور سياسيًا بطرق عديدة مختلفة ولكل مجتمع خصوصيته، وتتبع المجتمعات في ذلك اختيارات عديدة بدلًا من المضي قدمًا على طريق وحيد للتطور السياسي. ونظرية فوكوياما برأي بروفيسور ميلزر تتوسط بين النظرية العلوية كما عند ماركس وهيغل والوصف الكثيف الذي يتجه إليه بعض علماء الانثروبولوجيا والمؤرخين.
ومن ناحيته قال البروفيسور جورج سورينسين من جامعة آرهوس بالدنمارك أن كتاب فوكوياما الجديد إبداع علمي قدم قاعدة جديدة لفهم التطور السياسي؛ فهو لا يستند إلى المركزية الأوربية ولا إلى الآحادية السببية بل يقدّم تفسيرًا مركبًا متعدد العوامل للتطور السياسي. وأضاف الدكتور سورينسين يقول إنه فيما يتصل بمناقشة النظم السياسية فإن هذا السفر سيعتبر كتابًا كلاسيكيًا جديدًا.
ضمن مقابلة أجريت معه في مدرسة جون هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة بواشنطون قال فرانسيس فوكوياما إنه كتب كتابه الجديد بناء على رغبة قديمة لديه منذ أن بدأ نشاطه في حقل العلوم السياسية وقد وطّن لكتابه في علم الأحياء لأنه لا يشارك الكثيرين في مجال العلوم الاجتماعية رأيهم في العدائية الكبيرة ورفضهم أخذ المعلومات أو بقائهم على متن العلوم الطبيعية.
يتعقب كتاب «أصل النظام السياسي» تطور هذا النظام السياسي من المجتمعات الإنسانية الباكرة وهي كانت مجموعات صغيرة من الصيادين وجامعي الثمار. وأول تطور اجتماعي رئيسي حسب وجهة نظر فوكوياما كان هو التحول من عصبات الصيادين وجامعي الثمار إلى القبائل نوقد كان ذلك ممكنًا بواسطة المعتقدات الدينية التي وحدت مجموعات كبيرة من الناس في عبادة واحدة؛ وبما أن القبيلة تستطيع أن تحرك العديد من الناس وتقودهم نحو الحرب فإن العصبات المجاورة كان عليها أن تتحول على قبائل هي أيضًا أو تتعرض لهزائم.
وأدّت الحروب أيضًا على النقلة الاجتماعية الثانية الرئيسية من القبيلة إلى الدولة. الدول أكثر تنظيمًا من القبائل وأكثر استقرارًا، حيث إن القبائل كانت تجنح إلى الدخول في الحروب بعد موت زعمائها. وفقط لأن الدول قدمت فرصة أفضل للبقاء كان الناس يتنازلون عن حرية القبيلة لقسر الدولة وإكراهها.
الكثير من تحليل فوكوياما في كتابه الجديد كان مخصصًا عن الكيفية التي تتطورت بها الدول من القبائل. وهذا التحول في نظره تأثر بالجغرافيا والتاريخ وبالتحديد بالنظام الذي وضعت به مكونات الدولة المؤسساتية إلى جانب بعضها البعض.
واستنادًا إلى نظام الأحداث ظهرت عدة أنواع دول مختلفة للغاية في الصين والهند والعالم الإسلامي وأوروبا. وحتى ضمن أوروبا كانت هناك العديد من التنويعات الرئيسية وفق فكرة رئيسية عامة.
كتب فوكوياما في كتابه هذا يقول “إننا نأخذ المؤسسات كشيء معطى ولكن في الحقيقة ليست لدينا فكرة من أين أتت”. المؤسسات هي القوانين والقواعد التي تنسق السلوك الاجتماعي. وكما كانت القبائل تستند إلى الغريزة المتجذرة عميقًا للبحث عن عائلة الفرد وأقاربهن فإن الدولة تعتمد على الازدهار الإنساني لإنشاء واتباع القوانين الاجتماعية.
يركز الدكتور فوكوياما على دور الصين لأنها أول دولة. فعهد أسرة كين الملكية الذي تأسس في عام 221 قبل الميلاد انتصرت على القبلية، وذلك نظرًا للشرط الافتراضي للمجتمعات الكبيرة بتطوير طبقة رسمية تدين بالولاء للدولة بدلًا من الولاء للعائلة والأقارب.
ولم تنته القبلية في أوروبا إلا بعد ألف سنة من ذلك التاريخ. وتنازلت أولًا للإقطاع وهو مؤسسة يدين على أساسها الفلاحون بالخدمة لمالك الأرض مقابل توفير الحماية لهم. وبذا عندما ظهر الملوك في أوروبا نادرًا ما كانوا يحصلون على القوة المطلقة كما كان يفعل الحكام في الصين لأن عليهم أن يتقاسموا السلطة مع ملاك الأراضي الإقطاعيين.
وثمة عائق آخر للحكم المطلق في أوروبا حسب ما يقول فوكوياما هو أن مفهوم حكم القانون ظهر باكرًا بسبب تطوير الكنيسة للقانون الكنسي في القرن العاشر ولذا فعندما بدأ الحكام الأقوياء في بناء الدول كان عليهم النظر بعين الاعتبار لمواد القوانين المدنية التي بدأت في الظهور.
طور الأوروبيون من بعد الفكرة غير الاعتيادية التي تقول بان القانون هو ما يجب أن يكون مطلقًا وليس الحاكم. وعملًا بهذا المبدأ أعدم البرلمان الإنجليزي أحد الملوك هو تشارلس الأول وخلع آخر هو الملك جيمس الثاني. وهذا أوجد حلًا دائمًا لمسألة بناء الدولة القوية التي يكون فيها الحاكم مع ذلك مسؤولًا. وطورت بلدان أوروبية أخرى مؤسسات شبيهة بتلك الإنجليزية ولكنها أخفقت في بلوغ توازن مستدام للسلطة بين الحاكم والنخب. في فرنسا قاوم النبلاء جهود الدولة لوضع ضرائب عليهم فأصبح العبء بصورة مستمرة على الفلاحين حتى أصبح الأمر غير محتمل، مما قاد للثورة الفرنسية. وفي المجر كانت النخب قوية بدرجة كبيرة حتى أنهم حرموا الملك من سلطة القيام بفرض الدفاع المناسب للمملكة فأبيد الجيش المجري بواسطة المغول في معركة (موهي) عام 1241م ومرة أخرى بواسطة الأتراك العثمانيين في معركة (موهاكس) عام 1526م.
وحسب وجهة نظر فوكوياما فإن من بين القوى الأوروبية نجد فقط أن انجلترا والدنمارك هي من طورت المؤسسات الدستورية الثلاث للدولة القوية حكم القانون والآليات التي تجعل الحاكم قابلًا للمساءلة. وهذه الصيغة الناجحة تم اعتمادها فيما بعد بواسطة دول أوروبية أخرى عبر نوع من الانتخاب الطبيعي الذي يفضل أكثر المتغيرات نجاحًا.
وعلى الرغم من أن المؤسسات هي أساس الدولة الحديثة فإن غريزة تفضيل الأسرة لم تختف، وسوف تؤكد نفسها حيثما كان ذلك ممكنًا. يقول فوكوياما إنه ولكي يتم إنشاء طبقة إدارية تدين بالولاء فإن بعض الدول جنحت إلى اتخاذ خطوات متطرفة لتدمير الأسرة في مجموعة متنوعة من الطرائق الأصلية.
أنشا الأباطرة الصينيون كوادر خاصة من الخصيان ممن ليست لهم عائلات غير الدولة وتم الوثوق بهم أكثر من الإداريين العاديين. البابا جريجوري السابع فرض في القرن الحادي عشر العزوبة على القساوسة الكاثوليك مجبرًا إياهم الاختيار بين الكنيسة والعائلة.
وأنشأ الحكام الإسلاميون طبقة متحررة من الصلات العائلية بمؤسسة الجنود الأرقاء وهم كانوا أولادًا يافعين تم جلبهم من عائلات في غالبها مسيحية وغالبيتهم من البلقان وتمت تنشئتهم على الإسلام وكأرقاء وتم تدريبهم كجنود. وهذا النظام على الرغم من غرابته كان فاعلًا بدرجة كبيرة. وقام المماليك -وهم أحد أنواع هؤلاء الجنود الأرقاء- بهزيمة المغول وطردوا الصليبيين. وانهارت هذه المؤسسة وذلك بسبب نفس الخطر الذي قامت من أجل تداركه؛ فقد سمح السلاطين الضعفاء لأبناء هؤلاء الجنود الأرقاء بخلافة آبائهم في وظائفهم وهنا تحول ولاء هؤلاء الأبناء لعائلاتهم بدلًا من الولاء للدولة.
ذكر فوكوياما ضمن المقابلة التي أجراها في جون هوبكنز “أنه وبدون وضع السلوك الإنساني في الحسبان فسنسيء فهم طبيعة المؤسسات السياسية”. ومثل هذا السلوك وعلى وجه التحديد النزوع لإنشاء قواعد هو الأساس للمؤسسات الاجتماعية على الرغم من أن محتوى المؤسسات يتم تمويلها بواسطة الثقافة. ويرى أن هذه الوضعية شبيهة باللغات التي تقوم فيها الجينات البشرية بإعداد الجهاز العصبي لتعلم اللغة لكن الثقافة تقوم بالإمداد بمحتوى هذه اللغات.
والمؤسسات على الرغم من أنها ثقافية لكن من الصعب تغييرها والسبب في ذلك أنه وبمجرد إنشائها يبدأ الناس في تغذيتها بقيم جوهرية وفي الغالب تكون هذه القيم دينية. وهذا المسار من المحتمل فيه ضرورة تطورية من أجل العمل على استقرار المجتمعات.
يقول فوكوياما بما أنه ليس مطلوبًا من المجتمع أن يغير منظومة القوانين المقبولة وليس على ذلك المجتمع أن يكافح من أجل إرساء قوانين مقبولة من جديد خلال عدد قليل من السنوات فإن همود وخمول هذه المؤسسات يوضح لماذا تتباطأ المجتمعات في التغيير. المجتمعات ليست أسيرة لماضيها لكن في الوقت نفسه أي جيل معين منها ليس حرًا لإعادة صياغة نفسه.
وكما أنه من الصعب تغيير المؤسسات فمن الصعب أيضًا تطويرها. كتب فوكوياما يقول «إن البلدان الفقيرة ليست فقيرة لأنها لا تملك الموارد ولكن لأنها تفتقر إلى المؤسسات السياسية الفاعلة» ومن رأيه أن فقدان حكم القانون القوي هو أحد الأسباب الرئيسية لماذا لا تحصل الدول الفقيرة على درجات نمو عالية.
إذن هل همود وتباطؤ المؤسسات يجعل مسألة محاولة الولايات المتحدة فرض حكومات ديمقراطية على بلدان لم تكن لديها مثل هذه الحكومات مسألة عقيمة وغير ذات جدوى كما يجري في العراق وأفغانستان؟ يجيب فوكوياما على هذا السؤال قائلًا «إنه من الصعوبة بمكان إنشاء مؤسسات في بلدان أخرى. فإذا أنت قمت بفرض قوانين في بلد ليست لدى مواطني ذلك البلد التزام بها فإنهم لن يعملوا بها. ومن ناحية أخرى فإن اليابان وكوريا والصين نفسها اعتمدت مؤسسات أجنبية على اختلاف كبير مع مؤسساتها واستفادت منها».
المجلد الأول من كتاب (أصل النظام السياسي) ينتهي في القرن الثامن عشر. المجلد الثاني سيقود التحليل إلى عصرنا الراهن. وحسب وجهة نظره من خلال المناقشات لا زال فوكوياما يعتبر الدولة الليبرالية الحديثة هي نهاية التاريخ.
يقول فوكوياما في خلاصة أفكاره إن حكم القانون يأتي من دين منظم. والديمقراطية كانت صدفة غريبة في التاريخ. البرلمانات في أوروبا لديها حقوق قانونية وكانت مصادفة تاريخية تامة أن البرلمان الإنجليزي تمكن من القيام بحرب مدنية وأنتج تسوية دستورية أصبحت الأساس للديمقراطية الحديثة.
وفي عالم موازٍ بدون إقطاع كان يمكن لحكام أوروبا أن يصبحوا حكامًا مطلقين. مثل حكام الصين. ولكن خلال صدفة الديمقراطية قامت إنجلترا ومن بعد الولايات المتحدة بإنشاء نظام قوي ترغب العديد من الدول في محاكاته. والسؤال بالنسبة للصين حسب وجهة نظر فوكوياما هو هل المجتمع الحديث يمكنه أن يدار بواسطة نظام بيروقراطي من أعلى إلى أسفل بدون حل لمشكلة احتمال بروز إمبراطور سيء؟.يختم فوكوياما كتابه بالرد على هذا السؤال قائلًا: “إن كان على أن أراهن على هذين النظامين -الأوروبي والصيني- فإنني سأراهن على نظامنا”.
نبذة عن فرانسيس فوكوياما
نشأته وتعليمه
يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما كاتب ومفكر أمريكي الجنسية من أصول يابانية ولد في منطقة هايد بارك في مدينة شيكاغو الأمريكية عام 1952 م. يعد من أهم مفكري المحافظين الجدد (Neoconservatives).
فرانسيس فوكوياما ينحدر من أسرة مثقفة جدًا، والده يوشيو فوكوياما مواطن أمريكي من أصل ياباني، يحمل دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة شيكاغو ودرس بها العلوم السياسية أيضًا. ووالدته توشيكو كواتا يابانية الأصل ولدت في مدينة كيوتو اليابانية وهي ابنة شيرو كواتا مؤسس قسم الاقتصاد في جامعة كويوتو اليابانية ورئيس سابق لجامعة مدينة أوساكا باليابان. نشأ فوكوياما كابن وحيد لأسرته في مدينة منهاتن ولم يكن على صلة مع الثقافة اليابانية ولم يتعلم اللغة اليابانية أيضًا.
ويعتبر فوكوياما من أشهر الفلاسفة والمفكرين الأمريكيين المعاصرين، فضلا عن كونه أستاذا للاقتصاد السياسي الدولي ومديرا لبرنامج التنمية الدولية بجامعة جونز هوبكنز.
فوكوياما حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة كورنيل في الأدب والفلسفة السياسية، ثم أكل دراساته العليا في جامعة يال، حيث درس أدب المقارنة، بعدها تحول لدراسة العلوم السياسية حيث حصل على شهادة الدكتوراه في مجال السياسة من جامعة هارفارد، حيث ناقش رسالته عن مخاطر الاتحاد السوفييتي وتوجهاتهم نحو الشرق الأوسط.
عمل بوظائف عديدة وكان مستشارا في وزارة الخارجية الأمريكية كما عمل بالتدريس الجامعي.
لديه مواهب وهويات بعيدا عن السياسة والحياة الاكاديمية، حيث إنه يهوى التصوير والاثاث التقليدي الذي يصنع بعض قطعه بيده. وهو متزوج من السيدة لورا هولمغرن، ولديه ثلاثة أطفال.
حياته السياسية
في عام 1989 كتب فرانسيس فوكوياما مقالة في دورية ناشونال انترست National Interest وكان القراء على موعد مع مقالة حفرت حروفها في تاريخ النظريات السياسية الحديثة تحت عنوان “نهاية التاريخ” قائلا إن نهاية تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية. وقد أضاف وشرح فوكوياما نظريته المثيرة للجدل في كتاب أصدره عام 1992 بعنوان «نهاية التاريخ والإنسان الأخير».
وقد قصد فوكوياما أن يعارض فكرة نهاية التاريخ في نظرية كارل ماركس الشهيرة «المادية التاريخية»، والتي اعتبر فيها أن نهاية تاريخ الاضهاد الإنساني سينتهي عندما تزول الفروق بين الطبقات. كما تأثر فوكوياما في بناء نظريته بآراء الفيلسوف الشهير هيغل واستاذه الفيلسوف ألن بلوم، حيث ربط كلاهما بين نهاية تاريخ الاضهاد الإنساني واستقرار نظام السوق الحرة في الديمقراطيات الغربية.
فوكوياما والمحافظون الجدد
كمساهم رئيس ضمن إدارة ريجان في صياغة (مبدأ ريجان) يعتبر فرانسيس فوكوياما شخصية مهمة ضمن من قادوا لظهور المحافظين الجدد. ولفترة طويلة اعتبر فرانسيس فوكوياما واحدا من منظري المحافظين الجدد، حيث أسس هو ومجموعة من هؤلاء المحافظين في عام 1993 مركزًا للبحوث عرف آنذاك بمشروع القرن الأمريكي، وقد دعا هو ورفاقه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون إلى ضرورة التخلص من نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وقد وقع على خطاب مماثل وجه إلى الرئيس بوش في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، حتى وإن لم توجد ما يربط نظام صدام بمنفذي الهجمات. وكان فوكوياما خلال تلك الفترة مؤمنا بضرورة التخلص من الأنظمة الاستبدادية بالقوة خاصة في حالة الشرق الأوسط.
بدء تحول فوكوياما عن فكر المحافظين الجدد
بدءًا من عام 2002م نأى فوكوياما بنفسه عن أجندة إدارة بوش للمحافظين الجدد ووصفها بأنه عسكرية أكثر من اللازم وتعتنق التدخل من جانب واحد خصوصًا في الشرق الأوسط. وفي أواخر عام 2003 عبر فوكوياما عن معارضته للحرب في العراق ونادى باستقالة دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي. وفي عام 2004م قطع فوكوياما صلته بإدارة بوش وقال عن تلك الغدارة ارتكبت ثلاثة أخطاء رئيسية فهي بالغت في تقدير مهددات الراديكاليين الإسلاميين ووقفت موقفا سلبيًا من الأمم المتحدة وكانت تلك الغدارة متفائلة أكثر من اللازم في مسالة هندسة القيم الغربية في العراق والشرق الأوسط عمومًا.
في عام 2006 كتب فوكوياما مقالًا في نيويورك تايمز يقول فيه: «ما نحتاج إليه الآن هو أفكار جديدة. أفكار تحتفظ باعتقاد المحافظين الجدد في عالمية حقوق الإنسان لكن بدون توهم حول القوة الأمريكية والهيمنة الأمريكية».
فيما بعد دمغ فوكوياما باللينينية وقال عن حركة المحافظين الجدد انتهت والمطلوب هو الحرب على الإرهاب بطرق ديمقراطية. وقال إن مجابهة التطرف يجب أن تكون عن طريق كسب عقول وقلوب المسلمين العاديين في كل دول العالم.
وفي عام 2008م أيد فوكوياما باراك أوباما في حملته الانتخابية. وقال إنه سيصوت لأوباما في نوفمبر من ذلك العام لسبب بسيط هو لأنه من الصعب تصور رئاسة كارثية أكثر من رئاسة جورج بوش. وطالب بأن تقوم الأحزاب بمتابعة الإدارات الأمريكية عقب الفوز.
من مؤلفاته
• نهاية التاريخ والإنسان الأخير - الصادر في عام 1989.
• الانهيار أو التصدع العظيم - الذي يبحث في الفطرة الإنسانية وإعادة تشكيل النظام الاجتماعي.
• الثقة.
• أمريكا على مفترق الطرق
• السقوط للخلف: شرح لتطور التباعد بين أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.