في سياق برنامج النشر في مؤسسة الشارقة للفنون، وضمن سعيها للتعريف بأهم التجارب الإبداعية الرّيادية التي شكلت إضافة نوعية على المشهد الفني المحلي والدولي، أصدرت المؤسسة كتاباً استقصائياً جديداً يتناول تجربة الفنان الإماراتي الراحل حسن شريف، رائد المفاهيمية الذي خطّ مساراً جديداً ومغايراً في حركة التشكيل الإماراتية، منتجاً رؤى جمالية وفلسفية تتجاوز البنى والأطر التقليدية نحو آفاق أرحب في التعاطي مع مفهوم الفن وآليات إنتاجه وعرضه وتلقيه. يحمل الكتاب عنوان «حسن شريف: فنان العمل الواحد» وهو من إصدار مؤسسة الشارقة للفنون ودار كوينغ بوكس في لندن، حرّرته وقدّمت له الشيخة حور بنت سلطان القاسمي رئيس المؤسسة، التي عملت على تقييم أكبر معرض استعادي لأعماله أقيم في الشارقة العام 2017، والذي يواصل عرضه هذا العام في عدد من المدن الأوروبية ضمن جولة تنظمها المؤسسة بالتعاون مع معهد كي دبليو للفن المعاصر في برلين، وغاليري مالمو كونستهال في السويد. وعبر ما يقارب 350 صفحة من القطع الكبير، يسبر الكتاب ممارسات حسن شريف متعددة التخصصات، ويشمل أعمالاً مفقودة، وترجمات إنجليزية لكتاباته الصحفية والتجريبية، إلى جانب مواد أرشيفية من معارض وأحداث، وكذلك حوارات ووجهات نظر معاصري شريف في الإمارات العربية المتحدة. يطالع القارئ في مطلع الكتاب مقالة «أنا فنان العمل الواحد» التي كتبها شريف سنة 1989، ومنها استُمد عنوان الكتاب، وفيها يناقش شريف ما يؤخذ على أعماله من أنها تحمل سمة التكرار، ويقول: «يعتقد بعض المهتمين بأعمالي الفنية أنني أقوم بتكرار المواد التي أستخدمها وبتكرار الأشكال التي أنتجها. لتوضيح ذلك أحب أن أقول: إن أعمالي متكررة في المواد والأشكال وغير متكررة في الوقت عينه». لقد شكل التكرار جزءاً أساسياً في أعمال شريف ومفهومه، فهو يرى أنه حتى وإن تكررت نفس المواد في أكثر من عمل فإنها من المستحيل أن تتشابه في طريقة وزمن تشكيلها، وأن التكرار مسألة صحية لا تنقص من اشتغال الفنان، لذا يقول موضحاً: «أنا أحب التكرار فأن يقوم الفنان بتكرار إنتاج عمل واحد على مدى الحياة فتلك مسألة صحية، إذا ليس ثمة في الفن قانون يمنع الفنان من الجلوس في ركنه. الفنان يجلس في زاويته الخاصة وقد نسميها (زاوية الفن) ويقوم بتكرار وإنتاج عمل واحد طوال حياته. ليس هناك من عملين فنيين لفنان واحد.. هذا مستحيل. جميع أعمال الفنان سواء كانت لوحة مرسومة بالحبر الأسود، أو لوحة زيتية، أو قطعة نحت، أو أي شيء مصنوع أو مركب.. جميعها عمل واحد.. دع الفنان يجلس في زاويته الخاصة ويلف خيط (سوتلي) على قطع من قماش الخيش.. تراه يغرق في التكرار، والتكرار ليس ممنوعاً». في القسم الأخير من الكتاب يجد القارئ أيضاً نسخة بخط اليد لكتاب «مفهوم الفن» الذي أصدرته دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة العام 1997، وتضمن قراءة ثلاثة فنانين إماراتيين، هم: حسن شريف ومحمد أحمد إبراهيم ومحمد كاظم في بعض الأعمال الفنية البصرية التي عرضت ضمن بينالي الشارقة الثاني، وهي محاولة لإضافة ثقافة جديدة ومختلفة عن الفنون البصرية إلى ساحة الإمارات وتزويدها بقراءة معمّقة عن الأعمال الفنية ونقدها وتحليلها، بالإضافة إلى نقاش عدة مفاهيم مثل «طبيعة الفن» و«وظيفة الفن»، وكذلك دور الفنان والمؤسسات الثقافية في خلق الثقافة البصرية عند المشاهد وتطوير حسّه النقدي حتى لا يبقى أسير فهم واحد للفن. لا يسعى هذا الكتاب إلى تسجيل أعمال شريف الفنية ضمن إطار زمني أو عرضها بشكل كاتالوج نموذجي، بل هو عمل تجريبي يعكس ممارسته، وينسج سردياته الشخصية من الزوايا المختلفة في حياته المهنية، مقدماً مصدراً حيوياً للدراسة العلمية والتقييمية في ممارسة الفن المعاصر، ومرجعاً لكيفية انتقال الأفكار الثقافية، وكيف يتم تحويلها خلال عملية الانتقال هذه، وهو أيضاً لمحة عن أعماله المشحونة والمفعمة بالحيوية باعتبارها نقداً واحتجاجاً على الواقع أو «وسيلة للفرار من أنفسنا لأننا لم نستطع وضع الواقع الحالي في موضعه الصحيح والملائم» كما يحب شريف أن يصفها. يتوفر كتاب «حسن شريف: فنان العمل الواحد» في أمازون، وعدد من المراكز الفنية والثقافية والمكتبات في الإمارات العربية المتحدة، مثل: متجر فن جميل، مكتبة «بوك توبيا»، مكتبة «كينوكونيا»، موقع جملون، وغاليري «إيزابيل فان دين إيندي»، ومركز تشكيل، بالإضافة إلى متاجر مؤسسة الشارقة للفنون في ساحة المريجة ومبنى الطبق الطائر.