الاستماع لرأي الآخرين بصورة دائمة يفقد الفرد هويته الشخصية ليكون نسخة من الآخر، لا يعي ذلك إلا بعد فترة من الزمن، بعضنا يتوه في خضم الحياة حتى يجد نفسه أنه غريب عنها، هذا الشعور يسبب ربكة كبيرة في داخله مما يشعره بالصراع والازدواجية في شخصيته، مرة يريد هذا، ومرة أخرى يريد ذاك، لا يستقر على حال واحد وهذا مربك فعلا. هناك خلط في مفهوم الاستشارة والاستفادة من الآخرين، وبين عدم معرفة ماذا أريد أنا، وما خططي وأهدافي التي تتناسب مع قدراتي ومواهبي وميولي، لن يعرف ذلك أحد غيري أنا، وعندما لا نعرف حقيقة أنفسنا نكون هنا عرضة لرأي الآخرين وسيطرتهم علينا سواء كنا ندرك ذلك أم كنا مغيبين. شخصيات البشر متعددة ومختلفة عن بعضها وإن تشابهت في السمات العامة، لكننا مختلفون في الرؤية والتطلعات والميول، وأكيد الأهداف وهذا ما يميزنا عن بعضنا لكي نخدم التنوع والتفرد في عالم مليء من كل شيء. من ضمن الشخصيات، الشخصية التابعة والخاضعة التي جعلت نفسها في مهب الريح معتقدة أن هذا مريح لها فهي لا تفكر ولا تقرر عن نفسها بل تجعل رأي الآخرين هو الرقم الأول في توجيهها وإرشادها، وهنا دورنا في الإرشاد والتوجيه أن نحرك عملية الاستبصار الحقيقية عن معنى الذات وقدرة الفرد والاعتماد على نفسه وتحمل المسؤولية كاملة لأننا لا نريد مزيدا من الاتكاليين، نريد أفرادا يحملون الأمانة في أنفسهم وبيوتهم وأعمالهم ومن هنا يكون المجتمع قويا وحرا. هناك الشخصية الأنانية التي لا تشاهد غير طموحها وأهدافها حتى على حساب الآخرين مثلما نشاهد من يعمل أربعا وعشرين ساعة، متجاهل دوره ومسؤوليته تجاه عائلته، معتقد أن ما يقوم به صحيح رغم بعده عن زوجته وأبنائه، كم من الشخصيات بعد التقاعد عادت لكي تتواصل مع أبنائها في الكبر اكتشف الحقيقة المرة، لا يوجد هناك أساس لصلة أو تواصل فعلي بينهم كل ما هو موجود مضخة مالية، بنك مصغر يوزع على الأبناء والزوجة والبيت كل شهر، مما يشعر هذه الشخصية أنه خسر كل شيء وأن هناك فجوة كبيرة بينهم. هناك الشخصية المتوازنة التي جمعت بين ما تريد وأهدافها ورغباتها وأيضا قامت بدورها على أكمل وجه سواء في المنزل أو العمل أو الناحية الاجتماعية، أي حاضرة بكل الجوانب بتوازن تام نجدها حظيت باستقلالية فيما تريد من طموح وأهداف، ووصلت لذلك وفي نفس الوقت أدت الأدوار الأخرى وتحملت المسؤولية التي عليها؛ لذا من الأسباب التي تجعلنا نفقد هويتنا الشخصية هو عدم التوازن بين ما نريده نحن وبين أدوارنا الأخرى في الحياة، مهم التوازن بين ما نريد وكيفية أخذ الاستشارة أو الإرشاد كتوضيح لنا لكن القرار يعود بالدرجة الأولى لنا نحن وحدنا دون أن نهضم حق الآخرين، التوازن بين المسؤولية والجدية وبين أوقات البهجة والاستمتاع بالحياة، هذا يجعلنا نحافظ على هويتنا الشخصية نعمل ونمارس حياتنا دون صراعات داخلية بين الرغبات والاحتياجات وبين ما نريد وما يريده الآخر، يجعلنا نمارس ما نحب ونتحدث بما نريد على حسب قناعاتنا وميولنا الذاتية برضا تام.