تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، أول أيام الشهر الفضيل مقطع فيديو مؤثر جداً، لإمام يبكي بحرقة، على المسجد الذي اعتاد أن يؤم فيه المصلين، وهو فارغ بعد قرار السلطات غلقه، لإجراءات احترازية، لكن رغم الابتلاء الرباني بتعليق صلاة التراويح في بيوت الله، للحفاظ على النفس البشرية، يجتهد الجزائريون في خلق الأجواء الرمضانية في زمن كورونا، لكسر الحصار الذي يفرضه فيروس كوفيد 19. وأنت تتحدث مع العائلات، وتتجول بين مواقع التواصل الاجتماعي، تلمس إصراراً كبيراً من الجزائريين، كباقي مسلمي العالم، على اغتنام فضائل الشهر العظيم، للتضرع للمولى عز وجل، لهزيمة الفيروس، فالتفاني في إكرام ضيف الرحمن سيكون دونما شك فرصة العمر لاستلهام النصر على الوباء من الانتصارات التي حققها المسلمون في الشهر الفضيل، فكان الاجتهاد في إحياء طقوس رمضان ضمن الأطر القانونية والرخص الطبية والفتاوي الدينية، المسموح بها. من الشارع للبيت أجواء استثنائية يعيشها الشارع الجزائري في رمضان هذا العام عكس رمضان الأعوام السابقة، ويصف الإعلامي إسماعيل حبيب، أجواء رمضان في الجزائر في زمن كورونا، «إن الجزائر كباقي البلدان الإسلامية تحيي الشهر الفضيل في حدود الحفاظ على النفس البشرية، حركة خفيفة بالشوارع، لا يغادر شخص البيت دون ارتداء الكمامة الصحية، لا ضجيج بالأسواق الشعبية، والتجارة الموسمية التي كانت تنمو كالفطر كل رمضان غابت هذا العام، أما صلاة التراويح، فبعد قرار السلطات العمومية غلق المساجد، غابت جموع المصلين الذين كانو يصطفون أمام مداخل المساجد لإقامة الصلاة، بعد أن تمتلئ في الداخل عن آخرها، فكان لا بد من إقامة صلاة التراويح في البيوت، بالمقابل يقول السيد إسماعيل، «إن الجزائريين استبشروا خيراً بقرار الحكومة الجزائرية، التخفيف من قيود الحجر الصحي، بتقليص عدد ساعات حظر التجوال، بما يتناسب مع خصوصية الشهر الفضيل، لتمكين المواطنين من اقتناء مستلزماتهم بعيداً عن الاكتظاظ الذي ينعش تفشي الفيروس الخبيث، فتم رفع الحجر الكلي عن إقليم البليدة، وفرض حظر التجوال بها من الساعة الثالثة زوالاً إلى السابعة صباحاً، في ما تم تقليص ساعات الحظر الجزئي بالأقاليم المتضررة من الوباء من الخامسة مساءً إلى السابعة صباحاً». مدينة الورود تتحدى كورونا يعد إقليم البليدة، جنوبالجزائر العاصمة، مركز تفشي الفيروس في البلاد، بعشرات الإصابات والعديد من الوفيات، ما استدعى إجراءات استعجالية للسيطرة على الوضع، بفرض الحجر العام على الإقليم الذي يلقب بمدينة الورود لكن نالها غيث من الرحمة في شهر الرحمة بعد مراجعة آلية الحجر، لتدب الحياة فيها من جديد، المساجد والمحلات تصدح بتسجيلات القرآن الكريم، والعمارة لصلاة التراويح تحولت من المساجد إلى البيوت بعد أن أجاز الفقهاء والمشايخ إقامتها بالمنزل. ويروي إمام بأحد مساجد البليدة، الشيخ عبدالرحمن سعيدي، الأجواء الرمضانية في مركز تفشي الفيروس، بالتأكيد على أنه رغم أن رمضان هذا العام غير عادي، إلا أن سكان المدينة يرفضون أن يستسلموا ويصرون على إحياء طقوس الشهر الفضيل في حدود المسموح به، «حيث شهدت الشوارع حركية نوعا ما، ونشاطاً على غير المعتاد عليه في أيام الحجر الأخرى، أما الأجواء الدينية، والنشاطات التضامنية فقد غادرت الشارع والمساجد نحو البيوت، حيث تقرر إقامة صلاة التراويح جماعة في البيوت، يؤمهم أحد أفراد العائلة بالمصحف الملموس أو بالهاتف». ويضيف الشيخ، «إن التهاني بحلول الشهر العظيم زادت بشكل كبير هذا العام، وأصبح الناس يحرصون على التواصل فيما بينهم للاطمئنان عن أحوال بعضهم البعض، عبر مختلف الوسائط التكنولوجية، خاصة بعد منع الزيارات العائلية». ومن التقاليد التي تمسك بها سكان البليدة أو غيرهم من سكان البلاد، الحلويات التقليدية، خاصة حلوى «الزلابية» التي تشتهر بها منطقة، «بوفاريك»، وهي حلوى مغاربية بالعسل، تعد من خصوصيات شهر رمضان، خاصة وأن الحكومة رخصت لنشاط بيعها ببعض الأقاليم قفة المعوزين على غير ما جرت عليه الأمور، الأعوام السابقة، أين كان المحسنون يتنافسون على إقامة موائد إفطار جماعية للصائمين المعوزين أو عابري سبيل، غابت مطاعم الرحمة هذا العام، تماشياً، والإجراءات الوقائية بمنع التجمعات، للحيلولة دون تفشي الوباء، لكن بالمقابل تكفلت الحكومة، بتخصيص منحة إعانة ب10 آلاف د.ج ل2.2 مليون عائلة فقيرة، لمساعدتها على تحمل أعباء رمضان، وأيضاً مواجهة الفيروس، ناهيك عن تكافل الجزائريين فيما بينهم، لكسب الثواب بتقديم إعانات مالية أو مواد غذائية، خاصة وأن الكثير من أرباب العائلات فقدوا مهنهم في زمن الوباء. ويؤكد أحد الشباب المتطوع ممن اعتادوا على تنظيم إفطار جماعي، «أن فتوى المشايخ بمنع مواد الإفطار حالت دون تنظيمها هذا العام لكن بالمقابل تم جمع تبرعات من المحسنين، وتسليمها كإعانات مالية للمحتاجين، خاصة وأننا أصبحنا نعرف ظروف عائلات حيّنا، ولا يحتاج الأمر إلى تحقيق». من رحمة الله بعبادة أن الدين الإسلامي يتأقلم مع كل ظروف الحياة، لصون الحياة البشرية، فكان رمضاناً استثنائياً، بطقوس استثنائية لمواجهة الفيروس الذي حجر على العالم، شهراً من الإمساك عن الشهوات والملذات يتضرع فيه المسلمون للمولى عز وجل، ليرفع الوباء والابتلاء.