من كان يتصور أن يتحول المظهر العام للحياة في الجزائر بهذا الشكل، شوارع شبه خالية في معظمها، يخيم عليها الخوف والرعب من الجرثومة التي تعيث في الأرض فساداً، لا يكسر صمتها إلا صيحات مكبرات صوت الفرق الأمنية، التي تجوب شوارع المدن الجزائرية، تنادي الناس: "الزموا بيوتكم يرحمكم الله"، بيوت الله مغلقة في وجوه المصلين منذ أيام، لا دراسة ولا تدريس، وجل المؤسسات التربوية والتعليمية مشلولة إلى حين يرفع الله البلاء، لا طائرات ولا قطارات ولا سيارات أجرة تجوب شوارع البلاد بالناس مثلما تعوّد عموم الجزائريين، أينما وليت وجهك في الجزائر تجد وبكل اللغات: "ريح في دارك" باللهجة العامية أو "امكث في بيتك" ونصائح جوهرها، "شوارع ميتة 15 يوماً فقط ولا شوارع تعج بالموت بعد 15 يوماً". بهكذا نادى أحد النشاط المنتمين لجمعية خيرية كانت توزع الكمامات والماء على الناس ومنشورات وملصقات تدعوهم للمكوث في بيوتهم قدر الإمكان، هي يوميات الجزائريين اليوم، في سيناريو مماثل لما تعيشه معظم شعوب المعمورة في زمن كورونا الذي غيّر وجه العالم بين عشية وضحاها، الناس استفاقت على كابوس مرعب كانت تشاهده فقط في أفلام الخيال العلمي وقصص الفيروسات التي تفتك بالبشر. مدينة الورود تحت الحصار لا دخول ولا خروج من إقليم ولاية البليدة الواقعة جنوبالجزائر العاصمة على بعد بضع كيلومترات، التي سجلت أولى حالات تفشي هذا الوباء، فكل مداخل ومخارج المدينة أغلقت بمدرعات وحواجز قوات الأمن بعد تطبيق الحجر الصحي عليها كلياً لمدة 10 أيام قابلة للتجديد، فمدينة الورود أو عروس الجزائر كما يلقبها الجميع باتت بؤرة الوباء وبوابة عبور الفيروس اللعين من أوروبا نحو الجزائر، والتي سجلت حصيلة ثقيلة ب8 وفيات وأكثر من 143 إصابة مؤكدة، وباتت البليدة مدينة شبه ميتة وحبلى بالمآسي في أول أيام الحظر، لا ترى فيها إلا قوات الأمن تجوب الشوارع ليلاً ونهاراً، لتتعالى أصوات المواطنيين ليلاً من الشرفات تتضرع لله عز وجل أن يرفع البلاء والابتلاء عن البلاد في فيديوهات تم تداولها على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صور استحضرت تضامن الجزائريين بصوت واحد "صبراً أهالينا في البليدة، فإن فرج الله قريب". وفي صورة مأساوية تقشعر لها الأبدان، لم تشهدها البلاد حتى خلال الأزمة الأمنية التي مرت عليها سنوات التسعينات، الجزائر تغلق المساجد وتعلق الصلوات جميعها مع الإبقاء على شعيرة الآذان فقط التي تنادي بإقامة الصلوات في البيوت لا في المساجد، فالمصاب جلل والمولى عز وجل أمر بالحفاظ على النفس البشرية، البعض اهتدى إلى الاستثمار في المساجد ببث تسجيلات صوتية مباشرة بعد الآذان تحث الناس على البقاء في البيوت لمحاصرة الداء فيما ذهب بعض الأئمة إلى إطلاق مبادرات لتحفيظ القرآن على مواقع التواصل الاجتماعي في مبادرات استحسنها الجميع، المستشفيات في الجزائر لم تعد تستقبل المرضى فقط بل حتى المتبرعين من رجال الأعمال والمحسنين، وحتى الجمعيات الخيرية ولأن الأوضاع استثنائية، أضرت كثيراً بأصحاب الدخل الضعيف من القطاع الخاص وبعض المهن الحرة بادر بعض المحسنين إلى توزيع المواد الغذائية مجاناً على العائلات المعوزة.