جملة من التأثيرات المتنوعة في أسواق العالم أسهمت في أداء هزيل لأسعار النفط التي شهدت موجة التراجع منذ الحادي والعشرين من شهر يناير الماضي، صاحبتها مستجدات الاجتماع الأخير لمنتجي النفط OPEC+ لتزيد الضغوط على الأسواق مستقبلاً في الربعين القادمين، التخوّف الحقيقي والمؤثر في أسواق النفط هو الخطوة القادمة للمملكة وسياستها الإنتاجية، عملياً ووفقاً لبيانات الإنتاج والتقييد ومرحلة التخارج يتضّح أن التخارج الروسي الكامل من الاتفاق سيضيف قرابة 73 ألف برميل يومياً فقط للأسواق، حيث بلغ متوسط الإنتاج لديها في كامل العام 2019 نحو 11.348 مليون برميل يومياً، بينما التخارج السعودي الكامل من التقييد سيضيف للأسواق قرابة 1.288 مليون برميل يومياً (تتجاوز الطاقة الإجمالية المقيدة في 2019 ل 21 دولة) بناء على متوسط الإنتاج في 2019 عند 9.712 ملايين برميل يومياً، هذه المفارقات توضّح حجم التأثيرات المتوقعة في أسواق النفط التي تكبدّت خسائر في الأسعار بلغ حجمها 18 دولاراً منذ 21 يناير إلى الآن، ولا زالت مهيأةً تماماً لتراجعات كبيرة ضمن نطاق 30 - 35 دولاراً، خصوصاً أن المملكة بدأت منذ الأحد الماضي في إرسال إشارات للأسواق تنبئ عن عزمها رفع طاقتها الإنتاجية لأعلى من 10 ملايين برميل يومياً. القراءة الحالية للسوق النفطية تفترض البدء الفعلي لمرحلة التخارج السعودي من قيود الخفض المعمول بها نحو طاقة إنتاجية تربو على ال 10 ملايين برميل يومياً، خصوصاً أن شركة أرامكو السعودية بدأت في خفض أسعار خاماتها بشكل سريع وحاد لشهر أبريل المقبل لكل الوجهات (آسيا - الولاياتالمتحدة - شمال غرب أوروبا)، ما يظهر فنياً هو أن الأسواق العالمية ستتلقّى صدمة سعرية تضاهي ال 15 دولاراً أو أكثر تراجعاً لحدود (27 - 33) دولاراً، ما دفع تحليلات الصناعة إلى القول إن النصف الحالي قد يكون أسوأ من النصف الثاني للعام 2014م مع أسعار متدنية قد تتراجع إلى ال 20 دولاراً، ما يظهر من ذلك أن الأسواق العالمية ستتلقّى صدمة سعرية تضاهي ال 15 دولاراً أو أكثر ضمن نطاق (27 - 33) دولاراً. بوجهٍ عام إن التخارج السعودي من التقييد يعني ضخّ طاقة إنتاجية للأسواق تتجاوز المليون برميل يومياً، أي تحوّل الموازين نحو تعظيم التخمة النفطية بالأسواق التي تتغذّى حالياً على تراجع الطلب العالمي، وبذلك ستكون هنالك ثلاثة عوامل مؤثرة تحدد مسار الأسواق من الأعلى للأسفل زمنياً السعودية تليها الولاياتالمتحدة ثم روسيا (دون اعتبار الأرقام القياسية للإنتاج) حيث إن هذه المرحلة ستكوّن كفتّي تصارع بأسواق النفط، الأولى الأسعار المتدنية تحت ال 35 دولاراً والأخرى قطاع النفط الصخري بالولاياتالمتحدة، بمعنى أن الأسعار المتدنية ستؤدي لتراجع حجم الإنتاج هناك وما لذلك من تبعات مختلفة وغير سريعة التأثير، منها تهدئة وتيرة البناء في المخزونات النفطية مع الأخذ بالاعتبار أنه ليس بالضرورة انعكاس ذلك بشكل ملموس وسريع على مستويات الأسعار، قد تكون متباطئة التعافي لارتباطها بمؤثرات أخرى لا زالت قائمة بالأسواق من الصعب تحديد الوقت الزمني لانعدام تأثيرها كتراجع الطلب في عدّة اقتصادات مؤثرّة جرّاء فيروس كورونا المستجدّ الذي لا يمكن الجزم حالياً أنه بلغ ذروته. لذلك فإن نقطة البدء في إيقاف بناء المخزونات بالقطاع النفطي العالمي سينطلق من الولاياتالمتحدة الأميركية، وهي فنياً بدء مرحلة انطلاق تعافي الأسواق التي تتميز بحاجتها لفترة زمنية ليست باليسيرة، وذلك مع اعتبار العوامل المؤثرة الحالية دون تغيير في الربعين القادمين، أي صعود لأسعار النفط نحو منتصف الثلاثين ويحددّ وتيرة هذا الصعود ما سيتم تكشفّه لاحقاً بشأن الطلب العالمي وفيروس كورونا، هذه القراءة تكتمل باعتبار بقاء كبار منتجي الخام بالعالم عند أعلى مستويات الإنتاج لديهم، كما أن تبعات هذه المرحلة المتسّمة بتدنّي مستوياتها السعرية ستكون بقطاع الاستثمارات في صناعة النفط العالمية وتقليصها، واتضّاح ذلك خلال سنوات عبر التأثير سلباً في القدرات الإنتاجية للدول وعدم مقدرتها على ملامسة قدرات الإنتاج القصوى لها، ففي مارس من العام 2018م تم تقدير حجم المبالغ التي تم فقدها كاستثمارات بالمنابع النفطية حول العالم للسنوات الثلاث السابقة ب 300 مليار دولار، كما أن السيناريوهات الأخرى المتوقّعة لأسعار النفط تتضمن استمرارية مسار التدنّي في الأسعار دون ال 30 دولاراً حال تفعيل القدرات الإنتاجية القصوى لكبار المنتجين، بيدَ أن هذا التدني سيظهر حقيقة الأدوار في الأسواق ويرفع مستويات المخاطرة للاعبي الصناعة، كما أنه سيسهم في إعادة تشكيل العوامل المؤثرة من حيث إبراز اختلال ميزان السوق (العرض والطلب) بشكل كبير ودعم مستوى الوفرة النفطية، أي إطالة أمد المحاولات اللاحقة - إن وجدت - في البحث عن نقطة التوازن كذلك إخفاء فاعلية التأثير بشكلٍ كبير لكلٍ من العوامل الجيوسياسية وتحسّن الطلب الموسمي، هذه المعطيات ستؤكد في وقتٍ لاحق أهمية الدور الذي كانت السعودية تقوم به في الأسواق العالمية. وبالتركيز على الفوارق التي تطغى على المرحلة القادمة تتضّح أهمية القرارات بالنسبة لعوائدها الاقتصادية، فتكلفة نتائج الاجتماع الأخير ل OPEC+ سيسهم في تعميق حجم الخسائر بأسعار النفط من 19 دولارٍا إلى 39 - 44 دولارا.