عاد مصطلح (الأنسنة) بقوّة مع تسلّم الأمير فيصل بن عبدالعزيز بن عيّاف، أمانة منطقة الرياض، وظهرت - مبكرًا - مؤشرات إيجابية على السعي الجاد والمثمر لتحقيق هذه الأنسنة في أحياء ومرافق العاصمة المستمرّة بالتوسّع والنموّ العمراني والخدمي. لن تَستغرب هذه الروح وتلك الهمّة من الأمين الشاب، إذا عُدتَ إلى تاريخ أمانة الرياض، وقلّبتَ صفحات الأمناء السابقين، لتقع على اسم والده الأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف، الذي أولى هذا الجانب اهتمامًا استثنائيًا خلال خدمته لمدينة الرياض من ذات الموقع، ليُوثِّق لاحقًا تجربته للأجيال في كتابه المهمّ (تعزيز البُعد الإنساني في العمل البلدي.. الرياض أنموذجًا). ولأن هذا الشبل من ذاك الأسد، يَستلهم الأمين الشاب من تجربة والده الثرية، ويُعيد إلى صدارة اهتمام وسُلّم أولويات الأمانة، ملفَّ أنسنة الرياض، التي تزداد حاجتها إلى مشروعات تُلامِس عاطفة ساكنها وزائرها، وتُضفي إلى ملامحها رُوحَ الأُنس والأُلفة والرفاهية والترفيه والأمان، وتدفع الإنسان فيها إلى التصالح مع ما يحيط به من مرافق سكنية وخدمية وبِنيةٍ تحتية، وتعزّز الأبعاد الجمالية والطبيعية والترفيهية في أنحائها. وإذا أضفنا إلى هذا الاهتمام الموروث، والتجربةِ المعاشةِ عن قرب، دقّةَ وحِكمة اختيار القيادة الرشيدة لهذا الأمين الشاب، وما تضمّنته رؤية المملكة 2030 من برامج تُعنى بجودة الحياة، وتحسين المشهد الحضري، إضافة إلى الدراسة الأكاديمية المتخصّصة للأمير فيصل بن عياف، التي شكّلت مدينة الرياض محورَها، يَكون الرّهانُ على نجاحه في مهمّته الشائكة - وفق هذه المعطيات - كبيرًا ومحفّزًا. لم تَخْلُ الرياض من مشروعاتِ ونشاطاتِ الأنسنة على مدار تاريخها، من حدائق ومتنزّهاتٍ ومساحات خضراء ومتاحف وممرّاتِ مشاة وأسواق شعبية، لكنّ التوسّع العمراني والاستثماري المتوازي مع الاقتصاد المزدهر للمملكة اليوم، قد يهدّد معالم الأنسنة القائمة بالسّحق تحت وطأة الكُتل الأسمنتية العملاقة، وقد يستحوذ على مساحاتِ التنمية الحديثة دون أن يترك حيّزًا لمظاهر الأنسنة، يَتناسب مع حجمه واتّساعه. وفي سياق الخطوات العملية التي يخطوها الأمين ابن عياف، لتكثيف مظاهر الأنسنة وسط تحدّيات التنمية هذه، عادت فكرة "بسطة الرياض" إلى الحياة، وهي المشروع الذي تنظمه أمانة منطقة الرياض أسبوعيًا كل سبت في مواقع متفرقة من أحياء المدينة، كسوق شعبي حُدِّد بيوم السبت وبساعات معيّنة، يَعرض منتجات الأسر المنتجة، والفنونَ الشعبية والسّلع المختلفة، ويُتيح تناولَ الأطعمة والاستمتاع وتمضية الوقت، وسط المشاتل والأشجار الخضراء. التجربة المتألقة بالأمين الجديد، لاقت حفاوة وترحيبًا في الأوساط النخبوية والمجتمعية، ما حدا بالأمير فيصل بن عياف لأن يُغرّد عبر حسابه في موقع تويتر، متحدّثًا عن "المدينة المؤنسنة" التي تتفاعل مع ساكنيها، وموضحًا أن أهداف الأمانة من "بسطة الرياض"، تتمثّل في تعزيز الروابط بين السكان، وبينهم وبين مدينتهم، فضلًا عن إعادة صياغة الفراغات العامة وإحيائها بمثل هذه الممارسات الاجتماعية، مع التأكيد على كونها مساحة أسرية لدعم الأسر المنتجة. تبدو حظوظ الرياض - بأحيائها ومرافقها - كبيرةً في ظلّ الفلسفة التي يَنتهجها الأمين الشاب في خدمتها، ولعلّ معطيات النجاح - آنفة الذكر - سَتُترجم قريبًا على أرض العاصمة، بما تستحق وما يليق.