لم يعد دور إيران المزعزع وناشر الفوضى في محيطه الإقليمي محل شك، ويبدو النظام الإيراني في حالة هجوم صريح على المنطقة، متخلياً عن حذره واستعماله الخفي للوكلاء الذين يقومون بالمهمات السيئة عوضاً عنه، فيما تبقى أيديه نظيفة أمام أنظار العالم المخدوع. في خبرين منفصلين كشفت المقاومة الإيرانية ومصادر إخبارية موثوقة، حجم التدخل الإيراني في الشأن العراقي، والمدى الخطير الذي وصل إليه تغلغل طهران في سياسة العراق، حيث يرصد تقرير المقاومة الإيرانية استغلال إيران للمزارات في العراق، للتسلل إلى الشارع العراقي، إما على الصعيد الفكري عبر نشر الخطاب الطائفي التقسيمي، وإما على الصعيد العملي، من خلال استخدام هذه المناسبات غطاءً لدخول عناصر (قوة القدس) الإرهابية، التي ساهمت في قمع الاحتجاجات العراقية. فيما كشف مسؤولان أمنيان عراقيان عن مشاركة قناصة مدعومين من إيران في اغتيال المتظاهرين العراقيين. هذا الانكشاف الإيراني يمكن تفسيره لسببين: أولهما، تفاقم الأزمة الداخلية للنظام الإيراني جراء استشراء حالات التذمر الشعبي من سياسة النظام وتبديده لثروات إيران في حروب عبثية على حساب المواطن الإيراني الذي يصارع نسباً عالية من الفقر والبطالة. ثانياً: الموقف الحازم للمملكة في مواجهة العدوان الإيراني، وفضح سلوك طهران أمام المجتمع الدولي، مما قاد لتصعيد الضغوط الدولية على نظام خامنئي، وزيادة حجم العقوبات الاقتصادية، ما أدى بدوره إلى تأجيجٍ حرجٍ للوضع الداخلي، وبالتالي تصاعد حالة الغضب الشعبي، كما باتت استثماراتها في الفوضى السورية واليمنية في مهب الريح. حالة اليأس والعزلة التي وجد النظام الإيراني نفسه فيها أدت إلى هذا الاندفاع والهجوم الصريح على سيادات الدول العربية، وكذلك تهديد الاقتصاد الدولي باستهداف أمن الطاقة، وحتى رؤاه المذهبية التي تسلل بها إلى بعض الدول العربية، فالنظام الإيراني يعيش الآن مرحلة تخلخل ومراجعة، بعدما انكشفت النزعات القومية العنصرية لكل مشروعاته في المنطقة، وزيف دعايته المذهبية. لا بد أن يدرك نظام خامنئي المحاصر داخلياً وخارجياً أن الهروب للأمام لن يقيله من عثراته، بل سيغوص أكثر في الرمال المتحركة، ولا مخرج له إلا بإنهاء حالة العدوان المستمرة في المنطقة، وسلوك طريق الدول الطبيعية، بدلاً عن طريق (تصدير الثورة) الذي لم يصل به منذ أربعين عاماً إلى أي هدف محقق.