قبل سنوات كانت إيران تتسلل في جنح الظلام إلى منطقتنا العربية تثير الفتن تارة وتغذي الطائفية والكراهية تارة أخرى.. واليوم لم تعد تقتصر يد الشر على التسلل، فباتت جهارا نهارا مصدرا للفوضى وزعزعة الاستقرار، متناسية عوراتها في الداخل وبيتها الزجاجي. تناصبنا طهران العداء على الملأ، تحركها نوازع الحقد للنيل من أمن العرب أولا والخليج ثانيا. هي دولة من طراز الميليشيا تستقطب المجانين طائفيا تؤهلهم للخراب والفوضى وتصدرهم للعبث.. لم يعد هناك أدنى شك بنوايا إيران التخريبية، هذه الأخطار باتت «على المكشوف» فبالأمس ترسل أسلحة جهارا نهارا إلى اليمن لمزيد من القتل والفوضى، ومن قبل ذلك أغرقت سوريا بالسلاح، وأنشأت سرطان حزب الله في لبنان.. إيران دولة مليئة بالمتناقضات السياسية والاجتماعية والفساد الاقتصادي، لكننا وللأسف رغم هذا الجوار لا نعرف الكثير عن هذا الصندوق الأسود. «عكاظ» تفتح ملفات إيران من الداخل لتكشف المستور، وتعري طبيعة صراعات الأجنحة في هرم السلطة. «إيران من الداخل» جرد موثق يوضح كيف يحكم الملالي بالنار والحديد والقمع والتخويف، وكيف ينهبون المليارات ويتظاهرون بالعفة والنزاهة. اعتبر رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية سنابرق زاهدي أنه ما من فروقات جوهرية بين من يسمون أنفسهم بالإصلاحيين والمحافظين في إيران، معتبرا أن مثل هذه الصراعات هي مصالح شخصية تحت مظلة واحدة. وقال في حوار ل «عكاظ» إن هناك صراعا بين هاشمي رفسنجاني وعلي خامنئي، والبعض يعتقد أن هناك فروقات بينهم، لكن في واقع الأمر رفسنجاني يعتبر من أمراء الحرب الإيرانيةالعراقية، وهو المسؤول عن العديد من الاغتيالات السياسية.. وأكد زاهدي أن التحرك الشعبي الإيراني ضد النظام الإيراني بات وشيكا، إلا أن مؤشراته ليس ظاهرة، لافتا إلى وجود حالة من الغليان الشعبي، وبالتحديد بعد ان تم الاتفاق النووي الإيراني. • ما حقيقة الصراع بين الإصلاحيين والمحافظين.. وهل الفروق بينهما جوهرية أم هما وجهان لعملة واحدة؟ •• في الواقع هناك صراع على السلطة في إيران بين مختلف الأجنحة، لكن هذا الصراع يدور حول مصالح كل جناح وطرف وليس على مصالح الشعب أو البلاد. وهذا يعني أن الجناحين المتصارعين يبحثان عن تحقيق مصالحهما الخاصة في إطار نظام ولاية الفقيه. بعبارة أخرى جميع الأجنحة متفقة في الأسس التي بني عليها هذا النظام وبقاؤه رهين ببقاء هذه الأسس، وهي قمع المعارضين وفرض القمع الشامل ضد أبناء الشعب خاصة الأقليات الدينية والإثنية، وتصدير الإرهاب والحروب إلى الدول الأخرى ومحاولة خلق كيانات تابعة لهذا النظام لتكون سندا لبقائه ومانعا لضربه. والأساس الثالث لبقاء هذا النظام تمثل في المشروع النووي للحصول على القنبلة النووية. بهذا المعنى يمكننا أن نقول إن ما يصفه البعض بالإصلاحيين هم من رحم المحافظين ولا خلاف جوهريا بينهما. • ماذا يعني إصلاحيين ومحافظين.. وما توجه كل منهما إقليميا وداخليا ودوليا.. وهل هناك مثال على اختلاف سياسة الفريقين؟ •• هذه مصطلحات غير دقيقة، حيث لايوجد في نظام ولاية الفقيه من يمكن وصفه ب «الإصلاحي» أو «المعتدل». وإذا نظرنا إلى تاريخ هذا النظام نجد أن مجمل تفاعلات هذا النظام في قمة السلطة عبارة عن عمليات التصفية. حيث قام خميني بتصفية قطب زاده وبني صدر ومنتظري؛ كما قام خامنئي بتصفية خاتمي وموسوي وكروبي سياسيا وأمر بقتل عديد من الشخصيات المعارضة في الداخل والخارج، وكان بينهم من كان وزيرا في هذا النظام. وإذا فرضنا أن المعركة داخل النظام تدور في القمة بين رفسنجاني وخامنئي، فالسؤال الذي يفرض نفسه هل هناك فرق شاسع بين الاثنين في التوجهات الرئيسية؟ بالنسبة لخامنئي موقفه المتشدد معروف خصوصا لجهة صناعته للإرهاب والتطرف الإقليمي ودعم الميليشيات في العراقولبنان، وليس رفسنجاني ببعيد عن خامنئي، فهو أيضا كان عراب الإرهاب والاغتيالات في الخارج. الجميع يعرف أن الاغتيالات السياسية ضد رموز المعارضة الإيرانية في مختلف دول العالم ومعظم الاغتيالات كانت في ظل حكومة رفسنجاني وبإشرافه. وفي تلك الفترة كان حسن روحاني دائما سكرتير المجلس الأعلى للأمن الوطني للنظام، حيث الجهة التي تأخذ القرار بشأن هذه الاغتيالات، وهما كانا أكبر أمراء الحرب الإيرانيةالعراقية. • هل صحيح أن هناك تحركات إيرانية شعبية غير معلنة ضد نظام ولاية الفقيه؟ •• هذه التحركات لم تتوقف، وكانت الشرارة في انتفاضة عام 2009 وكانت الشعارات «الموت للدكتاتور»، «الموت لخامنئي»، «الموت لمبدأ ولاية الفقيه»، «تحيا الحرية» وهذه الشعارات مازالت شعارات أبناء الشعب الإيراني. لكن النظام بفعل القمع والإعدامات ومختلف أساليب التنكيل يحاول إخماد النار الملتهب في أعماق كل إيراني من أجل الحرية والديمقراطية، لكن هذه النيران ستشتعل من جديد في مستقبل قريب. • هل سيعزز الاتفاق النووي سيطرة نظام الملالي.. وأين الحراك السياسي الإيراني المؤثر ضد هذه السيطرة؟ •• بات خامنئي مكشوفا للإيرانيين والعالم، بعد التراجع عن الخطوط الحمراء المزعومة وادعائه في كل مرة أن التراجع عن الاتفاق النووي خط أحمر. فهو الذي صرح متزامنا مع المفاوضات النووية بوجوب رفع العقوبات مرة واحدة وهذا لم يحصل؛ كما قال إننا لن نقبل بالتفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وصرح بأن نظامه لايثق بالوكالة لكنه رضخ للتفتيش في نهاية المطاف؛ كما أنه تعهد بإيقاف التحقيقات في كثير من المراكز النووية، وبقي جميع العقوبات التي فرضت على النظام لأسباب أخرى لا تتعلق بالنووي، كما قبل بأن يكون إلغاء العقوبات مشروطا بتنفيذ الالتزامات الإيرانية؛ وقبل أن تبقى بعض القيود على النشاطات النووية لمدة سنوات. هذه هي الخطوط الحمراء التي رسمها هو بنفسه في خطابه العام 23 حزيران من هذا العام، لكنه اضطر للتراجع عنه. ولاشك أن أول الأسباب التي كانت وراء تراجع خامنئي في القضية النووية كان خوفه من المظاهرات والانتفاضة الشعبية، لأن الحالة كانت مرشحة لمثل هذه التطورات. الحراك السياسي موجود في مختلف أنحاء البلاد. هناك آلاف من الاعتصامات والاضرابات في جميع المحافظاتالإيرانية، وهذه النشاطات واسعة وشملت حتى السجون الإيرانية، هناك شعب إيراني حقيقي يعبر عن طموحاته وتطلعاته. إنهم ليسوا وحيدين بل لهم امتداد داخل إيران وخارج إيران. في الداخل الإيراني بملايين وفي الخارج بمئات الآلاف. الاتفاق النووي يفتح جبهات الداخل منذ أن تأسس نظام ولاية الفقيه على يد الخميني والتناقضات الداخلية تعصف بالنظام الإيراني بشكل هادئ، وكان الأسلوب المتبع في النظام مع كل من ينتهج خطا خارج منظومة ولاية الفقيه، هو التصفية أو الإقصاء في أفضل الأحوال. ورغم وجود حالة التناقض وصراع الأجنحة -كما يسميه البعض- إلا أن ثمة إجماعا على قاسم مشترك بين جميع الأجنحة وهو دعم الإرهاب الإقليمي وتصدير الأزمات من أجل زعزعة الاستقرار. بعد موت خميني ظهر الصراع «المخفي»، بين المرشد علي خامنئي وعلي هاشمي رفسنجاني أبرز وجوه الحكم في إيران، ولأن خامنئي كان أكثر انتهازية من الناحية الدينية ولبس الغطاء الديني فقد ظل المسيطر على الحياة السياسية الإيرانية -حتى الآن-، لكن التضاد لايزال مستمرا. عندما تولى الإصلاحي محمد خاتمي الحكم في العام 1997، تأمل البعض في تغيير السياسة الإيرانية، لكن وبعد مضي وقت قصير تبين أن وجه خاتمي الإصلاحي وانفتاحه على الغرب كان «براغماتيا» بهدف الضغط الغربي على المعارضة وإدراج بعض الحركات الإيرانية على قائمة الإرهاب. ومن هذا المنطلق يرى العديد من المراقبين الإيرانيين للوضع الداخلي أن الخلاف بين الإصلاحيين والمحافظين اختلاف على المكاسب الداخلية لا على السياسة، فالكل متفق على الحكم الديكتاتوري. ويجمع المحللون السياسيون الإيرانيون وعلى رأسهم سنابرق زاهدي وهو مسؤول رفيع ورئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني الإيراني، أن كل أجنحة النظام في القواعد الأساسية کانوا متفقين في قواسم مشتركة هي القمع للشعب الإيراني وتصدير الأزمات والحروب والإرهاب للدول الأخرى. ذلك أن جواد ظريف صديق حميم لحسن نصرالله ومحمد جواد مغنية بنفس درجة قاسم سليماني. شكل الاتفاق النووي الإيراني، صدمة نفسية وسياسية للأوساط السياسية الإيرانية، بعد سنوات من العداء الظاهري للغرب، وفي كل النقاشات السياسية الإيرانية كان الهاجس من الاتفاق هو الوضع الداخلي والخوف من «ربيع إيراني».. ويسوق خبراء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الذي يتخذ من باريس مقرا له حالتين تعودان إلى رمزين من رموز الجناحين الرئيسين للنظام: الأول؛ تحذير أمين مجلس صيانة الدستور التابع لخامنئي في 30 أيار 2015 خلال التجمع العام لحكام النظام من خطر الإطاحة والاستسلام الكامل للنظام وقال بخوف وهلع: «إن الغاية من ملف المفاوضات النووية هي الاطاحة بسلطات الجمهورية الإسلامية وارغامها على الاستسلام، اليوم يطرحون موضوع تفتيش مراكزنا العسكرية ويريدون أن يستطلعوا قدراتنا العسكرية، فهل تعتقدون بأنهم وبعد رفعهم العقوبات عنا يتركوننا نواصل الحكم والسلطة؟ إنهم سيذيقوننا الأمرّين بعد ذلك تحت لافتة حقوق الإنسان». أما الثاني؛ تحذير رفسنجاني في 16 حزيران 2015 نظام ولاية الفقيه من مغبة ومخاطر انتفاضة جماهير الشعب الذي ضاق ذرعا بقوله: «إن العقوبات أضرت بالمواطنين بالحد الاقصى وكيف هم يدعون بأنها كانت لصالحنا. وهناك البعض يتحدث بأقوال عجيية وغريبة بأننا نريد أن نحقق تطورا علميا وذلك في الوقت الذي يتذوق الشعب الأمرّين بسبب العقوبات». إن الشعور بخطر الإطاحة بالنظام وبالتهديد في هذا المجال من قبل الجناحين للسلطة، قبل أي اعتبار آخر يعكس حقيقة مرحلة السقوط والسبب الحقيقي لرضوخ خامنئي وقبوله بكأس السم النووي.