إن حب الوطن ليس مجرد كلمات تقال هنا وهناك، بل هو أفعال وممارسات تثبته وتؤكده بالعمل لمصلحة وطنك بلا حدود ودون انتظار مقابل. وأن يكون الوطن أولاً وثانياً وثالثاً وآخراً. وليس هناك حب للوطن أكثر مما تقوم به العيون الساهرة لحماية هذا الوطن انطلاقاً من خدمة دينها ومليكها وشعبها. إن حب الوطن مكون من مكونات الإنسان وجزء من حقيقته لا يمكن أن ينفصل عنه بحال من الأحوال أياً كان هذا الإنسان وفي أي مكان يعيش، فالأوطان لها علاقة بالقلوب والفطرة الإنسانية، والشريعة تنظر إلى حب الوطن باعتباره جزءًا من الإنسان وتحث على تعزيز الانتماء إليها. ولفضل حب الوطن الذي لا يساويه حب - بعد حب الله ورسوله -، نجد القرآن الكريم قد ساوى بين قتل النفس وبين الخروج من الوطن. حيث يقول تعالى: (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم). فما أعظمها من محبة. ألم يبك النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكةالمكرمة. ألا ترى في تفاصيل الشريعة الغراء أحكاماً مبنية على فكرة الوطن ومنها قصر الصلاة في السفر. فعندما يخرج المرء إلى مسافة بعيدة عن وطنه يصبح في حاجة إلى التخفيف، ليس لمشقة السفر فحسب وإنما لتخفيف شعوره بانتزاعه من الوطن أيضًا. وكأن ترك موطنه أثر فيه من الناحية النفسية مما استدعى تخفيف الصلاة عنه. ولهذا فإن الشريعة الإسلامية تحض على فكرة ترسيخ فكرة حب الوطن في ضمير الإنسان ووجدانه. فلابد من المحافظة على فكرة الوطن التي تتهددها أفكار كثيرة. فحب الوطن من الإيمان ولا تعارض مطلقاً بين حب الوطن وحب الدين، فكل منهما يكمل الآخر، فإذا أردنا أن نحافظ على أحدهما فلابد من المحافظة على الآخر. هذا هو الحب الحقيقي للوطن، أمّا أن يعتقد بعضهم أن حب الوطن هو أن يمارس النقد غير الموضوعي ضد مسؤولي مؤسسات الدولة أو من خالفهم ليل نهار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، غير عابئ بما يتم إنجازه على أرض الواقع، فهذا هو الحب المزيف. إن هؤلاء لا يجيدون التعبير عن حبهم لوطنهم إلا بالمزايدات والشعارات وتخوين المختلفين معهم في الرأي. أما آن لهم أن يعلموا أن إثبات الوطنية لا يكون بالتشكيك في نزاهة المسؤولين والإرجاف - دون وجه حق - أمام الوطن والعالم. ألم يعلموا أن النقد البناء - وليس النقد من أجل النقد - هو الذي يبني الأوطان. ألم يعلموا أن باب الحاكم الإداري والجهات القضائية والرقابية مفتوح من أجل أي عملية فساد أو مظلمة من مسؤول أياً كان، بل هناك مكافأة لكل مبلغ عن قضية فساد مالي أو إداري أو تجاري كما نصت الأنظمة بذلك. إن النقد البناء حق للجميع طالما كان بلغة هادئة موضوعية محترمة ودون شخصنة الأمور، أما أن تستهدف مجموعة ما أسلوب المزايدات والادعاءات بالحب والتحريض، فهذا مما تأباه الضمائر النقية والنفوس العلية في هذا الوطن. وليعلموا أن المواطن السعودي قد ملّ من هذه المجموعات التي لا تقدم للوطن والمواطن أي فائدة.