أثارت قضية خلية التجسس الإيرانية في كينيا العديد من علامات الاستفهام بشأن جدوى الوجود الإيراني الذي كان إلى وقت قريب يتوسع باستمرار في قارة إفريقيا. ويري خبراء أن هذه القضية أصابت الوجود الإيراني بهزة كبيرة وجعلت من دولة الملالي هي الخاسر الأكبر بسبب التوتر الذي تسببت فيه هذه القضية مع كينيا. وكانت المحكمة العليا في كينيا أيدت أخيراً قراراً أصدرته محكمة بدائية دانت اثنين من عناصر فيلق القدسالإيراني هما أحمد أبو الفتحي محمد وسيد منصور موسوي، بتهم التحضير لعمليات إرهابية وحكمت عليهما بالسجن 15 عاماً، وتم نقل المدانين إلى سجن "كاميتي" لقضاء السنوات المتبقية من العقوبة (10 سنوات) ثم ترحيلهما في وقت لاحق. وفي مرحلة لاحقة أوقفت السلطات الأمنية في كينيا، السفير الإيراني في نيروبي، لدى محاولته تهريب العنصرين اللذين تعتبرهما كينيا جزءاً من "خلية تجسس" إيرانية تهدد أمن البلاد. واتهم مدير النيابة العامة في كينيا نور الدين حاجي، السفير الإيراني بأنه كان يتبع أوامر من طهران لضمان عدم علم السلطات الكينية بتورط الحكومة الإيرانية. وجاء ذلك بعد ما قام ضباط من إدارة التحقيقات الجنائية الكينية باعتقال مواطنين كينيين اثنين بتهمة تلقيهما مبالغ من السفير الإيراني بعد أن ادعيا بأنهما مسؤولان في وزارة الداخلية ويمكنهما أن يساعدوه في تهريب المعتقلين. وتؤكد السلطات الكينية أن الإيرانيين أحمد أبو الفتحي محمد وسيد منصور موسوي، اللذين أدينا أول مرة في 6 مايو 2013، هما عضوان في قوة فيلق القدس، وهي وحدة خاصة من الحرس الثوري الإيراني تقوم بمهام خارجية سرية، وقد تم اعتقالهما في يونيو 2012، وقادا المسؤولين إلى متفجرات مخبأة تبلغ زنتها 15 كيلوغراما، بينما لم يعثر على نحو 85 كيلوغراماً أخرى من المتفجرات قالت السلطات إنه تم شحنها إلى كينيا. ويقول المحلل السياسي السوداني الشيخ يوسف الحسن ل "الرياض" إن منطقة شرق إفريقيا ظلت تشهد نشاطاً إيرانياً واضحاً في ظل حرص طهران على تحقيق مزيد من التغلغل في القارة السمراء بهدف نشر الفكر الشيعي وتحقيق مصالح سياسية واقتصادية متوازية مع الحصول على نفوذ في تلك المنطقة الحيوية من العالم. ويرى أن إيران امتد نشاطها لمختلف دول المنطقة ولم تقتصر على الدول العربية بل إلى دول أجنبية مثل كينيا، والتي نجحت إيران في إقامة وتفعيل علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية معها بشكل مكثف. لكن بحسب الحسن فإن العلاقات الإيرانية الكينية التي كانت في تنامي مضطرد أصبحت مهددة بالتراجع في ظل حالة فتور بلغت حد التوتر بعد قيام إيران باستدعاء سفيرها من كينيا للتشاور، وتقديمها احتجاجاً رسمياً للسفيرة الكينية بإيران رقية سوبو، اعتراضاً على إصدار المحكمة الكينية حكمًا بنقض حكم الإفراج عن المعتقلَين الإيرانيين أحمد أبو الفتحي محمد، ومنصور موسوي، المتهمين بقضايا إرهابية منذ سنوات. وتناولت وسائل إعلامية كينية أخبار هذه الواقعة وتفاصيلها، وأشارت إلى أن السلطات المحلية أوقفت السفير الإيراني لدى البلاد بعد أن أظهرته كاميرات المراقبة وهو يحاول تهريب عنصري الحرس الثوري أحمد أبو الفتحي محمد، وسيد منصور موسوي، المتهمين بقضايا إرهابية، من خلال تواصله مع مسؤولين كينيين. وكشفت قناة روسيا اليوم أن السفير الإيراني في كينيا كان يحاول إجراء اتصالات مع شخصيات كينية مرموقة لمساعدته في تأمين إطلاق سراح المتهمين المذكورين سابقاً، وأضافت نفس القناة أن مواطنيين كينيين حاولا الاحتيال على السفير الإيراني وإيهامه بإمكانية مساعدته في هذا الأمر إلا أن السلطات الكينية ألقت القبض عليهما بتهمة انتحال صفة مسؤولين كبار. وذكرت مواقع إخبارية كينية أن هذه الواقعة جاءت بعد مرور ما يقرب من عام على ورود تحذير من الإنتربول أو الشرطة الدولية للسلطات في كينيا من محاولات إيرانية لاختراق جهات حكومية كينية واستقطاب مسؤولين فيها. ووردت روايات كثيرة حول تفاصيل أحداث هذه القضية التي ترجع بداياتها لسنوات ماضية، حيث كشف المدعي العام الكيني أنه في عام 2012 تم القبض على أبو الفتحي وموسوي، بعد تلبسهم بحيازة متفجرات، وتم الحكم عليهما في عام 2013 بالسجن مدى الحياة قبل أن يتم تخفيف الحكم إلى الحبس لمدة 15 سنة فقط. وفي عام 2018، قررت محكمة الاستئناف الإفراج عنهما، وهو الأمر الذي أثار احتجاج النائب العام الكيني نور الدين حاجي حيث اعتبر الحكم أمراً غير مقبول وفشلا للعدالة وسيادة القانون. وقدم حاجي، طعناً إلى المحكمة العليا ضد قرار الإفراج عن المتهمين، وسبب غضب المسؤول الكيني يرجع لتكرار المحاولات الإيرانية للتلاعب بالأمن الكيني من خلال تكليف أشخاص بمهام خاصة تضر بأمن كينيا. ومن هذه الوقائع أنه في عام 2016 اعتقلت السلطات في كينياإيرانيين آخرين لمحاولتهما إطلاق سراح المعتقلين الإيرانيين السابقين. وعلقت الخارجية الإيرانية آنذاك على هذه الواقعة زاعمة بأن الشخصين المقبوض عليهما مواطنان يتبعان السفارة الإيرانية ويعملان محاميين متابعين لقضية المعتقلين الإيرانيين المحكوم عليهما بالسجن. وسبق تلك الواقعة حادثة خطيرة شهدتها كينيا عام 2015 عندما أعلنت عن تفكيك "شبكة تجسس إيرانية" كانت تجهز لارتكاب جرائم إرهابية في البلاد. وبصرف النظر عن تعدد الروايات المتعلقة بتفاصيل الواقعة الأخيرة إلا أن الثابت هو حدوث أزمة دبلوماسية بين كينياوإيران خاصة مع احتجاج إيران رسمياً على نقض النيابة الكينية لحكم البراءة الصادر مؤخراً في مصلحة مواطنيها المقبوض عليهما. ويقول المحلل السياسي السوداني عبدالرحمن غزالي "إن خسائر إيران ستكون هي الأكبر جراء هذه الأزمة التي تجعلها محل قلق وتوجس من مختلف الأجهزة الأمنية للدول التي تمارس نشاطاتها فيها، ولن يقتصر الأمر على كينيا وحدها. ويري غزال أن إيران معرضة لخسائر اقتصادية بالمليارات لو توقفت خطط المشروعات الكبيرة التي دخلت من خلالها للقارة الإفريقية خاصة مشروعات الكهرباء والطاقة والبنية التحتية، والتعدين، إلى جانب افتقاد شركاء تجاريين كانوا يتعاملون مع إيران على الرغم من الحظر المفروض عليها، لافتاً إلى أن دول القارة ستقيس مستقبل علاقتها بإيران على ما حدث في كينيا. وجمعت دراسة للدكتور محمد شيخ علبو من جامعة ماونت في كينيا، الكثير من المعلومات حول الأنشطة الطائفية المدعومة من إيران في بلاده. ويقول إن النشاط الإيراني في بلاده يرتكز معظمه في العاصمة نيروبي ومدن مومباسا وكوسومو وبعض المدن الرئيسية الأخرى، ويوكل هذا النشاط لمنظمات أبرزها منظمة بلال مسلم الخيرية التي أسسها سعيد اختر رضوي. ويوضح أن أنشطة هذه المنظمة الطائفية تتركز في السواحل الشرقية، وتستهدف وتستقطب الشباب المسلم لا المسيحي في تلك المناطق عن طريق البعثات التعليمية والأنشطة الدينية المختلفة. أما على الصعيد الاقتصادي، فيري علبو أن الحال لا تختلف كثيراً عما تقوم به إيران في سائر دول إفريقيا، فقد عرضت إيران أن تساعد كينيا في بناء محطات نووية والتعاون في المجالات الزراعية والمعدات والطاقة بشكل عام. ويقول علبو إن هناك شباباً إيرانيين كثيرين دخلوا إلى كينيا من البوابة الاقتصادية وينشطون في تأسيس شركات لتصدير الغاز الإيراني. ويتابع بالقول "من الملاحظ أن إيران استغلت ضعف وجود الشباب العربي المستثمر في القارة الإفريقية لزيادة نفوذها، وأصبحت تروّج لنفسها كقوة اقتصادية مسلمة لتجتذب لها الدولة الإفريقية.