نمر بعصر لم تمر به البشرية من قبل أو هكذا نرى أنفسنا، ولا شك أن الأجيال السابقة راودتها مثل هذه الظنون عندما تتابعت طفرات العلم والمخترعات، خصوصاً أجيال العصور التي انطلقت فيها التطبيقات العلمية. عندما أقلعت أول طائرة تحمل بشراً في السماء ظن الناس - وكان ظناً سليماً - أن البشرية تدخل منعطفاً خطيراً في مستقبلها، نقلت الطائرة البشرية من مرحلة إلى مرحلة غير مسبوقة، ما الذي سيحدث للبشرية لو أن الطائرة اختفت من الوجود، تخيل سعادة أول جيل شهد الكهرباء في حياته، من دون كهرباء سينطفئ الوجود، سيعود الإنسان إلى العصور التعيسة، مع اختفاء الكهرباء ستختفي الإنترنت والطائرة والثلاجة.. الخ والعكس ليس صحيحاً، إذا اختفت الإنترنت فلن تختفي الكهرباء، اختفاء النت من حياة الناس سوف يعود بالبشر إلى عصر الثمانينات، سيتكبدون صعوبات جمة ولكن عالمهم سيبقى متمدناً يعيش رفاهية الحضارة الحديثة. أي من المخترعات والمكتشفات مثلت قيمة كبرى في زيادة ثقافة الإنسان أو تصحيحها أو إبطالها، الثقافة بمعناها الشامل كالدين والعادات والتقاليد وإيمانات المجتمع المختلفة وفنونه. على المستوى الثقافي؛ الضرر الكبير الذي سيخلفه اختفاء الكهرباء هو عودة الأشباح والجن والسعالي ومخلوقات الظلام الأخرى التي شلت قدرات الإنسان العقلية آلاف السنين. الكهرباء أثرت على هذه المعطيات بدرجة كبيرة، ولكنها لم تكن ذات طابع اقتلاعي، أي أنها لا تباشر عملية ثقافية كما تفعل النت، لا يمر من خلالها شيء خارج سيطرة حراس الثقافة عند الشعوب، النت عكس الكهرباء، تحمل طابعاً هجومياً، عانت كثير من الدول تبعات المواقع التي تحث على الإرهاب. الانتصارات الكبيرة على مواقع الإرهاب العالمي تعود إلى الإجماع العالمي فقط، لكن الشعوب ليست معنية بالاتجاهات الثقافية الأخرى بنفس الدرجة، على سبيل المثال، ثمة اختلاف كبير في تعريف المواد الإباحية واختلاف أكبر في الطريقة التي يتم التعامل بها مع هذه المواد. تفترق النت عن التقنيات الأخرى بطابعها الهجومي، تقنية الكهرباء أو الطائرة أو غيرها محايدة وطيعة، أدخلت هذه التقنيات على الناس السعادة والصحة والرفاهية والأمن.. الخ مع بقائها تحت السيطرة؛ لكي تعرف حجم التغير الثقافي الذي سيحل بالأجيال القريبة القادمة على يد الإنترنت تفحص محتويات النت التي تصادم معارفك ومعتقداتك وكل ما تراه صحيحاً، هذا المحتوى الصادم يتحدى كل الثقافات على وجه الأرض، تستطيع الحكومات منع إنتاج المواد الصادمة على أراضيها ولكنها لا تستطيع منع تسربها من الخارج هذا يعني مسح فرق المستويات في الحرية بين الشعوب لنصبح أمام عالم لا يمكن تخيله، سينشأ جيل لا نعرفه ولا يعرفنا.