توفي قبل يومين مؤسس أو مخترع البريد الآلي/الالكتروني (الإيميل) وجاء خبر موته سريعا عابرا تمت قراءته بشكل طبيعي ضمن كومة من الأخبار الكثيرة في وسائل الاعلام العالمية. لكن الموضوع لن يكون عابرا ولا سريعا، بل جديرا بالتوقف عنده. وللقارئ الكريم أن يتصور مقدار الخدمات والمهمات الهائلة والعديدة التي منحها المخترع العظيم باختراعه القيم جدا هذا، وكم استفادت الانسانية منه في كل بقاع الأرض، بل في كل طبقات السماء أيضا. وقد يتساءل البعض عن امتداد البريد هذا الى طبقات السماء، فنقول: إن التقارير والصور والبيانات التي يتبادلها رواد وعلماء الفضاء وهم في مركباتهم الفضائية يجوبون طبقات الفضاء، مع المحطات والمراكز الأرضية إنما تتم عن طريق الملاقط الصورية المعتمدة على هذا البريد العجيب، وذلك بحسب ما تعرضه المحطات العلمية المتخصصة ك (ناشيونال جيوغرافيك) وغيرها. اما خدماته على الأرض فهي ما يقوم به كل الناس من ارسال وتبادل للمعلومات والرسائل وغيرها بما هو معلوم لدى الجميع. وقبل الاسترسال في ماهية عمل البريد الآلي/الإلكتروني، لا بد من استذكار تلك التساؤلات المشوبة بالدهشة والاستغراب التي صاحبت اختراع الناسوخ (الفاكس)، وكيف أن هذا الجهاز المربوط بالخط الهاتفي يقوم بارسال واستقبال المعلومات والأوراق والوثائق والصور وغيرها بهيئتها وألوانها خلال دقائق بل ثوان معدودة من ارسالها بين الطرفين من اي مكان في العالم. وبقي هذا التساؤل قائما لفترة غير قصيرة حتى بعد اختراع البريد الإلكتروني (الإيميل). لكن (الإيميل) فاق كل بريد آخر وامتد الى كل يد ودار وبلاد وارض وفضاء في اجواء من الثانية وبلمسة ناعمة خاطفة فوق زر جهاز. -إنه لشيء مدهش، وعجاب حقا.! -يعني لو تأمل الانسان ذلك بنظرة روحية لنطق بتسبيح الله تعالى، ولقال: علم الانسان ما لم يعلم. ومن عجائب هذا الاختراع البسيط الخفيف النافع انه لا يعمل بغير رمزه الخاص الذي هذا شكله: @ وهذا الشكل هو حرف رياضي في اللغة اللاتينية/اليونانية القديمة يسمى (ألفا)، وهو من بين ما تعلمناه في مادة الرياضيات في الثانوية وهي (ألفا، بيتا، جاما، دلتا)،إلخ. فكم من مصلحة تبادلها الناس عن طريق هذا البريد، وكم منفعة تم كسبها خلاله، بل أصبح من أبرز سمات العصر من بين مئات السمات العصرية التي يتبادلها الناس عبر الأجهزة الذكية والمكتبية. إن البريد الآلي (وافضل استخدام اسمه بالعربية فهو ترجمة لكلمة (Electronic MAIL) هو فتح عبقري من فتوحات العقل الانساني الذي خدم البشرية، والذي جبَّ كل أنواع البريد الأخرى ووضعها في خزانة التاريخ. فأين الحمام الزاجل؟، وأين حامل البريد (وهو الذي كان يحمل رسائل وفرمانات الخلفاء والقضاة والولاة وسائر الناس إلى الوجهات المطلوبة في العصور السالفة)، وأين سعاة البريد بشتى وسائلهم، وأدواتهم، وما كانوا يتكبدونه من متاعب وأهوال وعواصف واخطار وسوء احوال جوية وانعدام أمن وقطع طرق وغيرها؟، بل ربما مات أحدهم قبل ان يصل الى جهته المطلوبة. أين كل هذا وغيره من بريد يرسل لك الصورة والمادة بشكل سريع جدا، ومريح جدا، ورخيص جدا، وأنيق جدا، ونظيف جدا، وأمين جدا (من الأمان)، ترسل المادة بكل محتوياتها الثقيلة او الخفيفة (من غير الشحنات)، وانت مستلق على فراشك أو عاكف على مكتبك، فلا تملك إلا أن تقول: لك الحمد يا ربي أن وهبت أحد خلقك هذا الاكتشاف المدهش الذي خدم به عبادك في الأرض والسماء. ومع كل ذلك يبقى التساؤل الذي يصاحب كل اختراع جديد، هو: هل سيتم الاستغناء عن خدمات البريد العادية، وهل سيختفي البريد الممتاز، والبريد العادي و(راسل) و(زاجل) و(أرامكس) و(فيديكس) وغيرها من أنواع البريد؟. أظن أنها ستبقى ولو إلى حين، بل ان البريد الإلكتروني الحالي. لا يستطيع - حتى الآن - إرسال الشحنات والطرود الكبيرة والمواد الثقيلة وغيرها، وقد يكون ذلك غير مستحيل في المستقبل القريب. لكن بعض الاكتشافات الحديثة تجب ما قبلها. - كما قلنا - فمثلا أين (الطوابع) التي كانت الاداة الرسمية لقبول وارسال المواد البريدية؟، اختفت، أو، كادت، بل سيختفي حتى (الرمز البريدي) المصاحب للعنوان، للكثير من المدن والمناطق، حيث تم استبداله برقم الجوال مع العنوان، والغريب ان هذ البريد بات شيئا مألوفا بيننا ككل الاشياء التي تتقلب بين ايدينا واعيننا غير متأملين جيدا ما يقوم به من ربط جسور عظيمة. ولماذا نذهب بعيدا،؟ فالمقالات والمواد الصحفية التي يطالعها القارئ الكريم الآن في هذه الصحيفة وغيرها من الصحف والمجلات، قد أرسلها كاتبوها الى صحفهم عبر البريد الآلي قبيل ساعات محدودة/معدودة من نشرها، وبالطبع لم يكن يتم ذلك أبدا قبل اختراع البريد الآلي المدهش!. ولن يتناول هذا المقال الذي وصل الى نهايته الشروحات العلمية والفنية والتقنية وغيرها لمراحل اكتشاف هذا البريد وكيفية خدمته وصناعته، فهذا مما يجهله كاتب المقال أولا، وليس من تخصصه ثانيا، ومما قد لا يهم القارئ ثالثا. فالعبرة بالخدمة ووجودها. وبكلمة،: فإن البريد الآلي (الإيميل)، بات حماما زاجلا عصريا جميلا، يوصل الأرض وما عليها بمن عليها، والسما وما فيها، بما فيها، والحمد لله رب العالمين.