الجميع يتفق على أن القراءة اليومية مفيدة للعقل، وهي عملية معرفية، ووسيلة للوصول إلى الفهم والإدراك وفضيلة التفكير، ولا جدال في أن قراءة الكتب العلمية والتاريخية والدينية والفلسفية وغيرها تصل بنا إلى هذا الفهم والإدراك، والقراءة ليست مجرد هواية، وإنما هي منهج حياة بالفعل، والسؤال الذي يصعب تجاهله: هل حقاً قراءة الروايات غير مفيدة ومضيعة للوقت؟ أتذكر أن بعض أصدقائي كان يشاهدني أمسك بكتاب رواية حتى أقرأه في بعض الوقت سائلاً: ما الجدوى من قراءة الروايات؟ اقرأ لك شيئاً مفيداً بدلاً من الروايات، ووجدت أن شريحة كبيرة في مجتمعنا تنظر إلى قارئي الروايات بدونية، وتنكر عليهم تضييع أوقاتهم، رغم أن أكثر الكتب قراءة في العالم هي الروايات، كما أن أكثر الأفلام مشاهدة في العالم نسخة من الروايات بالفعل. إن الرواية تعتمد على سرد الأحداث والقصص بما فيها من وصف وحوار وصراع بين الشخصيات، فالرواية فن أدبي تعبيري عن شخصيات خيالية أو واقعية وأحداث على شكل قصة، وسيرة ذاتية، وغيرها من الفنون الأدبية التي لها أساليبها وأسس التي تبنى عليها، وهي تستخدم اللغة النثرية في كتابتها، ولا تعتمد على القصص الحقيقية بل الخيالية الإبداعية. من الملاحظ أن البعض لا يدرك أن قراءة الروايات تسهم في تنمية وصقل المهارات الكتابية، وتساعد فعلاً على التعبير عن النفس، واكتساب مهارات التعبير، طالماً أن الروايات التي كتبت من يد الأدباء العظماء، ولديهم قدرة تعبيرية بديعة وفريدة من نوعها، حيث إنها تعلمنا طريقة التعبير بشكل مرتب ورصين، كما أنها تكسبنا ثروة لغوية وأدبية غنية، فالقراءة في الأدب تسهم بشكل كبير في تنمية مهارة التواصل عبر الكتابة والحديث؛ لأنها توسع من ملكتنا اللغوية، وتزيدها ثراء ومعرفة. لا يخفى أن ثقافة الشعوب ومعرفة حياتهم لا نجدهما إلا في الروايات، وشغف المعرفة والاطلاع على التفاصيل الدقيقة لا يشبعه أي فن من فنون الأدب إلا الروايات، وهي تساعدنا، بطبيعة الحال، على تكوين فكرة عن واقع مجتمع من المجتمعات، ولنا خير مثال أن يبدع الكاتب والأديب الدكتور أحمد العرفج في وصف بعض جوانب حياة المجتمع السعودي وتفاصيله الحياتية الدقيقة والواقعية، وأن الروايات الأدبية قد عززت من قدرة الناس على تفهم وقراءة مشاعر الآخرين وعواطفهم وأنماط تفكيرهم. من البديع أن قراءة الروايات تنمي جمال التعبير، وتحسن أسلوب الكتابة، وتطبع اللسان على فصيح الكلمات، وتثري الحصيلة اللغوية، وتساعد على فهم الآخرين، وتحفز الخيال، كما يقول الفيلسوف الشهير ألبرت أينشتاين "الخيال أهم من المعرفة؛ لأن المعرفة لكل ما نعرفه الآن، أما الخيال فيشمل الكون كله وما لا نعرفه". لا أبالغ إذا ذكرت أنني قد أدمنت القراءة منذ نعومة أظفاري، والأسباب التي تجلب لي المتعة هي الحصول على أي كتاب رواية، الذي يجذبني عنوانه وأسلوبه في الكتابة، ويجعلني أقرأه بشغف، وما أريد أن أقول لك هو ألا تتحرج، أيها القارئ، من قراءة الروايات، وأي كتاب مهما كان سيضيف إليك شيئاً مفيداً، وتتاح لك التسلية والمتعة الذهنية، فالوقت الذي تستمتع به ليس وقتاً ضائعاً.