أن تكون قادرا على خلق توازن في أدوارك الحياتية، مع تفعيل جيد للقدرة على الاستمتاع بالحياة عموما، فهذا جانب مهم ورائع أن تكستبه في هذه التجربة الحياتية التي تعيشها الآن، وهو مؤشر يعكس مستوى سلامتك النفسية. وحيث إن حديثي هنا عن الحياة النفسية، فإني أحب أن أشير إلى بُعد من أبعاد تلك الحياة، له من الأهمية الشيء الكثير، ألا وهو بُعد الأفكار وإن كان لا ينفك عن بقية الأبعاد - المشاعر والسلوك -، ونحن وكما يقول عالم الإجتماع الأمريكي بارسونز إننا نصنع عالما رمزيا انطلاقا من الأفكار المكتسبة، وإن هذه الأفكار تؤثر في الخيارات التي نعتمدها في العالم الحقيقي. وهنا ثمة أسئلة: هل نحن على وعيٍ لنمو أظافرنا في أصابعنا؟ وهل نحن واعون أن خلايانا تتجدد باستمرار؟ وهل نحن واعون أن رئة كل واحد منا تستخلص الأكسجين بشكل مستمر؟ وهل نحن واعون أن الكبد يقوم بنحو 500 عملية وظيفية على الدم ومكوناته؟ والسؤال الأعمق الآن: هل أنت على وعي بأفكارك التي تحملها؟ وليس ذلك فحسب، بل تنمو معك! وهل أنت على وعي بمشاعرك ونواياك وظنونك وقيمك التي ربما التقطتها وأنت في غفلة تامة وفجأة تخرج لك إشكالية هنا أو هناك؟ يقول روجيه دروا: «إن الفكر فعلا كسلسلة من السيرورات التي تجري من دون أن يلاحظها وعي الذات؛ إذ تتغير أفكارك وتنتقل، وتندمج أو تتناسق فيما بينها، وتتصارع بشكل مستقل عن إرادتي، ومن غير أن أعلم عنها شيئا»، ولذلك فإن العالم الشهير سيغموند فرويد في كتابه مدخل إلى التحليل النفسي قال: «إن النفس حقل صراع بين رغبات/نزعات متعارضة»، وكي أوضح لك الأمر دعني أوضح ذلك من خلال هذه القصة الحقيقية: سعيد في منتصف الخمسين من العمر توفي والده، وكانت الفكرة التي لديه أنه من العيب على الرجل أن يبكي، ولا سيما وهو قد جاوز الخمسين عاما، وفعلا لم يبك طيلة فترة العزاء، وبعد أسبوعين دخل المستشفى ومكث فيه أسبوعا لأعراض بدأت تظهر عليه، ثم خرج من المستشفى وكان يقول لزائريه إنه يعلم سبب تعبه؛ إذ إنه لم يستطع البكاء على والده، وبعد شهر أصيب بجلطة مفاجئة، وهنا في هذه القصة يتضح لنا مدى تأثير الأفكار في جسد سعيد، فلما كانت فكرة العيب من البكاء هي التي تقود المشهد وحاضرة بقوة، أثرت في بُعد المشاعر؛ حيث تكومت لديه مشاعر الحزن والألم، ما أثر بطبيعة الحال في جسده فأصابه ما أصابه. قال الإمام أبو حامد الغزالي –رحمه الله- حكي أن إبليس ظهر لراهب فقال له الراهب: أي أخلاق بني آدم أعون لك؟ قال: الحدّة، فإن العبد إذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة. وهذه الحدة – وأخواتها من قبائل السلبيات - هي أحد المخرجات لنا عن الاتزان في حالتنا النفسية، والآن عزيزي القارئ لعله اتضح لك أن ما أريده هو أن ننتبه أجمعين إلى أن نكون على وعي مبكر بحالتنا النفسية الغالبة علينا، سواء الأفكار التي تكون معنا، أو المشاعر التي ترافقنا، أو السلوكات التي نمارسها، وهذا بالتأكيد لن يتم ما لم ترفع ستائر الغفلة، وتزداد درجة الاستبصار في أنفسنا انتباها ويقظة. Your browser does not support the video tag.