لن نجاوز الحقيقة إذا قلنا إن المتابعين في كل أقطار الوطن العربي ينتظرون من "فنان العرب" محمد عبده إصدار أغنية تتجاوز "الأماكن" أو أن يقدم عملاً شعبياً خلاقاً مثل شبيهات تاريخه الكبير "يا صاح انا" و"أيوه" وغيرها، وكان من المنتظر بعد هذا الاحتفاء الشعبي الذي وجده في كل مسارح المملكة أن يقدم لهذا الجمهور المتلهف عملاً يشابه شيئاً من تاريخه. في أغنية "ما هو منك" التي كتبها شاعر الوطن الراحل إبراهيم خفاجي، ولحنها سعود بن عبدالمجيد أحد الشباب المهتمين بالفن الغنائي، تحمل الكلمات أجراساً موسيقية تحتاج إلى قراءة ووقت حتى يستطيع الملحن تقديمها كما يليق تفصيلاً للكلمة، فليس كل نغمة تُغنى ولا كل لحن عريض يطرب. غالباً هذه الأعمال تتميز بحسها وأنغامها وأجراسها الموسيقية، خاصة أن بناء هذه الأعمال يأتي بالأسلوب المتبع وبالصلة بين الشاعر والملحن والمطرب، وهذه الحالة لم تنطبق على أقدمية الشاعر والمغني وشبابية الملحن، والالتزام بالعرف الغنائي في استخدام اللغة السليمة ووضع الجرس الموسيقي في محله ككلمة استثنائية كلاسيكية تعمّر كثيراً إذا وصلت إلى أبعد حدّ في صياغتها. كان صالح الشهري - رحمه الله - يقول: "الألحان تختلف في صياغتها، بعضها يحتاج إلى قراءة ومعايشة حتى تكتمل الصورة النهائية". الشهري حينها كان يردد الفكرة التي توارثتها الأجيال في الصياغة اللحنية، لم يكن الضعف في أغنية "ما هو منك" لحنية فقط واختيار مقامات لا تتناسب مع الكلمة، بل "زاد الطين بلة" الموزع الموسيقي الذي بدأ العمل ب"فالت" يوحي للمستمع أن العمل القادم من الألحان الرومانسية الشتوية باستخدام آلة "البيانو"، ثم تتفاجأ بدخول آخر وسرعة الأداء وإيقاع شرح، كما يبدو أنها من الجمل الكلاسيكية. هنا تكمن المشكلة اللحنية حين تقدم بشكل "خام" من دون توزيع آلي ووضع اللزم والفالت والنقلات، فخيال المعايشة مع الكلمة تصطدم مع موزع الهارمني الذي يقوم بدور الملحن في وضع النواقص بخيال مختلف ليس له صلة بالكلمة ولا بأساسات اللحن. في الكوبليه الأول "إمتى تسعدني بشوفه واشتفي" جنوح لمقام الصبا، والسبب تأثيره في وجدان الناس، الهروب للمقام الضيّق يدل على عدم معايشة الكلمات، ولا يسمح بالابتكار والخروج عن النمطية في التعبير، الأغنية إن نجحت جماهيرياً فتعود إلى إمكانات المطرب محمد عبده وكلمات الخفاجي، حتى لو كانت جودة العناصر التقنية جيدة فلا تفيد في تعديل أساسيات الأغنية وقراءتها بالشكل الجيد. اللحن تقليدي تحت مسمى لحن عريض في محاولة إعادة وهج الأعمال المكبلهة، فلا كل لحن عريض ناجح ولا كل لحن قصير فاشل. وكان من الممكن على محمد عبده أن يكتفي بهذا التاريخ الطويل على المسرح فقط، دون أن يقدم جديده الذي قد يؤثر عليه في الساحة الفنية، فمازال هو الركن الأساسي في الأغنية العربية والقدوة في الثقافة الغنائية. Your browser does not support the video tag.