جرت العادة أن كل جديد ل"فنان العرب" محمد عبده، يحمل في طياته استعراضاً أدائياً ملفتاً يبرز إمكانياته الصوتية، خاصة عندما يتوافق صوته مع الجمل اللحنية والمقامات التي اعتاد على تقديمها منذ العصر الذهبي للأغنية السعودية. وفي ألبومه الجديد "رماد المصابيح" الذي سيطرح غداً الخميس، نجده يقدم ثماني أغانٍ من ألحان الموسيقار طلال هي "رماد المصابيح" و"ضي عيني" و"خجل" من كلمات الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن و"القرار" لنزار قباني و"قالت لي سم" للشاعر الكويتي فايق عبدالحليل و"يصعب عليا وداعك" للشاعر صالح جلال و"الحفلة" للشاعر فهد عافت وأغنية "ما واحد" للشاعر محمد المطيري. وفي هذه الأغاني استمرار للحالة الفنية التي قدمها الموسيقار طلال والتي يكشف من خلالها مدى العلاقة النفسية بين الشاعر وخياله وبين قدرة الملحن وانفعاله الإبداعي مع كل كلمة، وتناغمها مع صوت الفنان الذي يؤديها. لم تكن التجربة الأولى بين محمد عبده وطلال، بل بينهما تاريخ فني طويل كان مؤثراً في مسيرة الغناء السعودي، محمد عبده في هذا الألبوم قدم أنموذجاً مختلفاً بين الغناء الشعبي الكلاسيكي والرومانسي في الأداء. أغنية "ضي عيني" كانت ترجمة فعلية سريعة التنقل في المقام، ومن يسمعها للوهلة الأولى سيجد فيها ثراءً أدائياً وتفاعلاً في العرب التطريبية التي لم تخرج عن إطار الشعور بالجمل اللحنية، واللحن مبتكر، خاصة مع وجود آلة العود في تفاصيل التوزيع والُلزم وبشكل أعطى انطباعاً شرقياً جميلاً. الشاعر السوري الراحل نزار قباني، كعادته يطوّع الأنغام ويضمّنها في كلماته، منذ "قارئة الفنجان"، وفي كل قصائده الشهيرة، لذا فإن تقديم محمد عبده أغنية "القرار" ذات اللحن الشرقي والإيقاع المتقلب بين المقسوم والوحدة، هي في حد ذاتها صناعة مميزة في فلسفة المقام من الملحن طلال امتزجت بالقدرة التطريبية من "فنان العرب"، في حالة فنية جميلة تتكرر في كل أغاني الألبوم. حتى الراحل الكويتي فايق عبدالحليل، أغنيته "قالت لي سم" لم تخلو من هذا التنوع الجميل، حتى في لمحات مقام "الصبا"، مثل بقية الأغاني التي تسير في نفس الاتجاه وإن اختلف اللون والمعنى اللغوي والنغمي. محمد عبده في هذا الألبوم الذي يطرح غداً بالتزامن مع حفلته الغنائية في الرياض، يتغنى بقصيدة "رماد المصابيح" لبدر بن عبدالمحسن، بلحن جميل يرتكز على "السيكا" متحولة إلى "الصبا"، حتى في أغنية "الحفلة" لفهد عافت، تلاعب محمد عبده في الأداء على وقع مقام "حجاز" والإيقاع "العربي" أو كما يعرف تأصيلاً "بالعدني"، فيما اتخذت أغنية "ما واحد" للشاعر محمد المطيري الرتم السامري والمقام "البيات" كجملة كلاسيكية صرفة، تميزت بنفس الروح في الكلمات. الشاعر صالح جلال، رفيق درب طلال مداح عادة يأخذ منحى إبداعي خاص تتناغم فيه الكلمة مع الجرس والإيقاع، وفي أغنية "يصعب عليا وداعك" جاءت الفلسفة الثابتة في الكلمة التي فقدت منذ سنين، وزادها جمالاً الموسيقار طلال الذي طوّع اللحن والنغم وصوت الفنان ليقدم عملاً متكاملاً تغمره الدهشة الفنية. ويعتبر هذا الألبوم مثالياً لتنوع الحقب الزمنية لصناع الكلمة وتواصلاً ثميناً من الملحن طلال وتطريبياً من المغني محمد عبده، الذي يعيد التوازن للفن السعودي بعد الارتباك الذي أصاب الساحة في السنوات الأخيرة.