تحدث في مقال سابق عن الإدمان الرقمي، وأن من التحديات الكبيرة التي تواجهنا في زماننا المعاصر قضية التطبيقات الإلكترونية والأجهزة الذكية، وذكرت أننا أمام توحش تقني يقودنا ويقود أبناءنا وأزواجنا من حيث لا ندري إلى نتائج مزرية. ولأن القضية ذات عمق، فرأيت أن أعيد طرحها ليرتفع الوعي بها ولعلنا نستيقظ بعد دخولنا في حالة أشبه ما تكون بالتنويم الذي فيه نحن ندرك ولا ندرك، ونشعر ولا نشعر، ونعلم ولا نعلم، ومشوشين ولسنا بمشوشين. وإن من الملاحظات على سلوكياتنا في زمن السيطرة الرقمية هي أننا نبقى في حالة تحفز وترقب وتوثب حتى في اجتماعاتنا الرسمية ولقاءاتنا الأسرية لاختلاس النظر إلى حساباتنا بشكل مستمر، حتى أننا دخلنا حالة ولع شديد وتعلق أشد بالتطبيقات (تويتر - انستغرام - فيس بوك - سناب شات.. الخ). ولعل السؤال الأكثر إلحاحاً هو: ما أفضل طريقة وأسرع وسيلة لنستيقظ من تلك السيطرة الرقمية علينا؟، وقبل الجواب دعونا نحلل الحالة النفسية لكيفية وقوعنا في فخ السيطرة الرقمية، وإنني أنطلق من سؤال واحد يتمثل بالتالي: (وش صار بالدنيا؟) وعمقه أريد أن أعرف ماذا حصل خلال نومي مثلاً، ولذلك أول ما يفيق من نومه يمسك بجهازه ليتتبع أخبار من يتابعهم، وماذا غردوا في تويتر؟، وماذا قال في السناب شات؟، وما الصور التي شاركها في الفيس بوك. إذن هذا السؤال الداخلي الذي يتردد في نفسك (وش صار في الدنيا؟) هو الذي ينبغي عليك أن تستيقظ له لأنك في حال استجابة له، فإنك ستدخل في دوامة الفخ الرقمي الأمر الذي يجعلك تعتاد عليه، وتذكر أن ما تعتاد عليه يصعب التخلص منه إلا بالاستيقاظ له، ثم إني سأعيد توجيه السؤال إليك لأقول لك: وماذا سيحدث في الدنيا؟ لو قمت من نومك وقرأت في أحد كتبك نصف ساعة والتزمت بذلك يومياً؟ إنها كمية لا يستهان بها من حيث المعلومات والمعرفة والوعي، أنت تتحصل عليها بهذه النصف ساعة، وأما تنقلك في مواقع التواصل الاجتماعي فلا أظن أن أحداً من الواعين يمكن له أن يقول إن تلك المواقع ستكون نتائجها مثل نتائج القراءة المركزة لنصف ساعة. اترك القراءة إن كنت لست ممن يهواها، افعل أي شيء في ما أنت ماهر فيه، إن كان رسماً فطوّر أنامل يديك لتجيد فعل المرونة فتخرج لنا ما تبهر به أرواحنا، وإن كانت لك محاولة في الكتابة فاجلس لتتقن فن الكتابة، ثم تملؤنا دهشة بما تكتب، المهم أن تفعل شيئاً روحك تريده، وأن تفعل شيئاً يحقق لك فوزاً داخلياً وإنجازاً عملياً وهو بالتأكيد لن يتحقق وأنت تمضي أوقاتك هدراً في حسابات الآخرين، ولعلي أقف هذه الوقفات وأظن فيك عزيزي القارئ من الفطانة ما يجعلك تلتقط المعنى: الوقفة الأولى: عند قيامك من النوم عوِّد نفسك ألا تفتح مواقع السوشل ميديا ولمدة أسبوع كامل - وراقب النتائج التي تحصل لك - وبدل ذلك اصرف نفسك إلى قراءة أو تنشيط مهارة أو تعلم من خلال التدريب عن بعد، وهناك منصات لا حصر لها في ذلك، وتخضع لأنظمة التعليم والتدريب المهني. الوقفة الثانية: سر مع نفسك متدرجاً فلا يُعلم أن أحداً قد قطع مسافات بشكل آني، بل إن التدرج يقربك شيئاً فشيئاً نحو المراد، والمهم كل المهم هو السير نحو الهدف فعندما نقول عوّد نفسك أسبوعاً لا تفتح في الصباح تلك المواقع فهو من باب التدرج المذكور. الوقفة الثالثة: تأكد من أنك ستحقق الكثير من الرضا الداخلي لو قمت بتجويد إحدى مهاراتك الخاصة بك أكثر من الرضا الداخلي في تتبعك لذلك المشهور أو تلك المشهورة. Your browser does not support the video tag.