من التحديات الكبيرة التي تواجهنا في زماننا المعاصر قضية التطبيقات الإلكترونية والأجهزة الذكية! إننا أمام إدمان رقمي ولا تكاد تجد له مستيقظاً منكراً، ثم إن الإنكار عادة ما يكون مرتبطاً بكبار السن ومن يرى فيهم الحكمة، وأما في قضيتنا هذه فإن الأكبر بات أكثر إدماناً، واستوى فيها من يُظن فيه الحكمة وممن خلا منها! إننا فعلاً أمام توحش تقني يقودنا ويقود أبناءنا وأزواجنا من حيث لا ندري إلى نتائج مزرية. ولخطورة الأمر فإن الأوساط العلمية المتخصصة تناقشه، وأنه هل يمكن أن يصنف كاضطراب عقلي أم لا؟ وإذا كانت منظمة الصحة العالمية قد صنّفت الإدمان على ألعاب الفيديو كمرض، تماماً مثلها مثل الإدمان على المخدرات فهل سنراها توسع تصنيفها ليشمل ما نتحدث عنه كذلك!؟ ثم إننا إذا كنا نزعم أننا نريد أن نستخدم أجهزتنا الذكية فيما يحقق لنا أيسر الطرق للعيش، فإن من أوجب الأسئلة التي يستحسن أن تطرح والحال كذلك: هل بتنا نحن من يستخدمها أم هي التي أصبحت تستخدمنا؟ إنه سؤال جوهري، والمشاهدات التي نراها من أنفسنا وممن هم حولنا تشير إلى أنها هي من تستخدمنا، بدليل أننا نبقى متحفزين ومتوثبين حتى في الاجتماعات الرسمية واللقاءات الأسرية لاختلاس النظر إلى حساباتنا بشكل مستمر، حتى أننا دخلنا حالة ولع شديد وتعلق أشد بالتطبيقات (تويتر - انستغرام - فيس بوك - سناب شات..الخ) حتى عند قراءة الكتب تجد أحدنا غير قادر على قراءة صفحة واحدة من كتاب/أي كتاب من دون أن يلقي عشرات المرات عينيه على أحد تلك التطبيقات رداً وتفاعلاً، إننا في حالة تشوش وتشويش دائم. وهذا لا ينحصر بفئة عمرية، بل إن الغالب من الكبار والصغار هم أشبه بالمنوّمين، إن لم نقل إننا فعلاً منومون أو كالزومبي (Zombie) جثث تتحرك فاقدة للوعي الذاتي. والأدهي والأمر - وكلها كذلك - أنك تجد من يقود سيارته وهو فاقد للتفكير، وإلا كيف له أن يقود وفي نفس الوقت يتابع حساباته ويغرد ويعيد التغريد ويصور ويرفع الصور ويضيف لها كذلك الصور الرمزية (Emoji) ببلاهة شديدة وصدقت حنة آرانت عندما قالت: «البشر الذين لا يفكرون كمثل السائرين نياماً» وهذا بالضبط ما نراه في شوارعنا بشر عقولهم في الأجهزة ويقودون سياراتهم وهم نيام. وأرجو منك عزيزي القارئ أن تقوم بتوسيع مجال النظر لديك وتتأمل في حالك أنت، وإياك أن تسقط هذا الإدمان على الآخرين وتبرأ نفسك، ولعلك تسأل نفسك بصدق عن جهازك الذكي الذي أنت تحمله ولا تكاد تفارقه، هل هو فعلاً يخدمك ويقدم لك الفوائد؟، أم غاية ما تخرج به هو تمضية وقتك؟ وبما أننا حديثي عهد بخروج شهر رمضان فإن من المشاهد التي اعتدنا عليها أن تجد بعض المصلين للتراويح بعد كل تسليمة يخرج جهازه من جيبه ويقلب فيه حتى يركع الإمام ثم يغلق ويقوم ويدخل في الصلاة، وهكذا في بقية الركعات! وأخيراً إذا كان الشاعر يقول: (اصرفِ النفس عن كثير منَ النا *** سِ فما كلُّ مَنْ تَرى بصديقِ) فإني أظنه لو التفت إلى حالنا لقال: (اصرف النفس عن كثير من التطبيقات*** فما كل ما ترى من تطبيق بنافعِ). Your browser does not support the video tag.